المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة  | اتصل بنا

المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة

أفضل الأنام فى ضوء القرآن- أ.د. عبد الفتاح البربرى

الثلاثاء, 06 كانون1/ديسمبر 2016 11:07

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه, ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ (الفتح:29)
إنه صفوة الخلق وحبيب الحق. إنه مبعوث العناية الإلهية، وشمس الهداية الربانية. إنه سيد الورى، وخير من وطئ الثرى.
والله ما خلق الإله وما ذرا
بشرًا يرى كمحمد بين الورى
ولله در البوصيرى:
محمد أشرف الأعراب والعجم
محمد خير من يمشى على قدم
محمد تاج رسـل الله قاطبة
محمد صاغه الرحمن بالنعم
محمد يوم بعث الناس شافعنا
محمد خاتم للرسـل كلهـم
إنه البشير النذير، والسراج المنير، وقد أمره الله عز وجل أن يبشر الدنيا كلها بمقدمه، فقال له: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ (الأعراف:158).
بل بشرنا به ربنا فقال لنا: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128)، واللام فى قوله ﴿لَقَدْ﴾ موطئة للقسم؛ إعظامًا للبشرى من الله، وللمبشَّر به عليه الصلاة والسلام، واختيار لقب ﴿رَسُولٌ﴾ وتنكيره لمزيد تعظيم الرسول وتشريفه، أى رسول عظيم من الله إليكم.
وقوله: ﴿مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾ لإيناس الناس برسولهم، أى هو منكم، وُلد فيكم، نشأ بينكم، نَسَبُهُ معلوم لكم، عرفتموه وعرفكم، أحببتموه وأحبكم، شهدتم بعظيم أخلاقه، وكريم شمائله، فأطلقتم عليه (الصادق الأمين).
وهكذا يؤنس الله الناس برسولهم، فهو من أنفسهم، من أقرب الناس إلى قلوبهم، ليأنسوا به، ويطمئنوا إليه، ويقبلوا عليه، ويهتدوا بهداه.
ثم يصفه الله عز وجل بقوله: ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾، هذا الوصف الذى يدل على عطفه وشفقته، وحنانه ورأفته، ورقة قلبه ورحمته، فهو عزيز عليه ما عنتم، أى يصعب عليه أى شر لكم، يعز عليه أى بلاء يصيبكم، أو أى عَنَت يلحق بكم، لأنه ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾، على خيركم، على ما يصلحكم، على ما يحقق السعادة فى الدنيا والآخرة لكم، إنه حريص على مصيركم ومآلكم، ولذلك يدعوكم إلى الإيمان بربكم، لينقذكم من عذاب النار، ويكون مأواكم جنة الأبرار.
ويختم الله عــز وجـــل بُشْراه بحبيبه، فيصفه بقوله:﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾، وهذا من أعظم ما كرّم الله به نبيه؛ إذ إنه بهاتين الصفتين الكريمتين قد وصف رسوله بما وصف به نفسه، حيث يقول فى حق ذاته العلية: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقـــرة: 143) ويقــول عن نبيه ﷺ: ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
جل الذى بعث الرسول رحيمًا
ليرد عنا فى المعاد جحيمًا
هو صاحب القلب الرحيم هو الذى
أضحى على المولى الكريم كريمًا
يا أيها الراجون منه شفاعة
صلوا عليه وسلموا تسليمًا
إنه الرحمة المهداة.
إنه النعمة المسداة.
لقد مَنّ الله به علينا، وأهدى أنواره إلينا، ليهدينا به سبلنا، ويضيء قلوبنا، ويزكى أرواحنا، ويعلمنا من الكتاب والحكمة ما يصلحنا فى ديننا ودنيانا، قال تعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (آل عمران: 164).
وقال سبحانه ﴿هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الجمعة: 2).
إن من فضل الله تعالى علينا أن أخرجنا بنبيه المصطفى من الكفر إلى الإيمان، ومن عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة الواحد الديان، أخرجنا الله به من الضلال إلى الهدى، ومن الباطل إلى الحق، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الشر إلى الخير، ومن الإثم إلى البر، ومن الظلام إلى النور، قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِى يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (الحديد:9)، وقال سبحانه: ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾ (التوبة:32-33)، (واقرأ الصف:8-9 والفتح:28).
إن محمدًا ﷺ هو النور الذى أضاء الله به وبوحيه على قلبه، أضاء به الكون كله، وأشرقت الدنيا بنور ربها:
ونودى الكون ما هذا الجلال وما
هذا الضياء الذى يبدو لرائيه
هذا ضياء الذى ترجى شفاعته
يوم النشور فيا بشـرى محبيه
فيه السماحة فيه الحكمة اكتملا
فالله أدبه سبحـان باريه
اختاره ربه للعالمين هدى
بخير دين عظيم فى مراميه
يدعو إلى المثل العليا ومصدرها
كتاب ربى وكل الخير يحويه
فالإسلام نور شرعه الله، والقرآن نور أنزله الله، ومحمد نور أرسله الله، والله نور السموات والأرض، قال تعالى فى حق ذاته العلية: ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِى زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّى يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النور:35).
وقال تعالى واصفًا شريعته ودينه بأنه نور: ﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِن رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (الزمر:22)، وقال سبحانه: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِى بِهِ فِى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِى الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ (الأنعام: 122).
وقال جل شأنه واصفًا القرآن بأنه نور: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِى أَنزَلْنَا﴾ (التغابن:8). وقــال تعالى: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِى أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (الأعراف:157)، (واقرأ النساء:174).
وقال تعالى واصفا نبيه ﷺ بأنه نور: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ (المائدة: 15)، وقال مخاطبًا نبيه ﷺ: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (الأحزاب:45-46).
ووظيفته ﷺ إخراج الناس من الظلمات إلى النور، قال تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم:1).
والمراد بالنور هنا نور الهداية والرشاد؛ فالقرآن هو هداية الخالق للخلق، وهو النور الذى يضيء لنا طريق الحق، إنه روح حياتنا، ونور وجودنا، ودستور عزنا ومجدنا.
قرآننا روح الحياة ونبضـها
غيث به تحيا القلوب وتخفق
هو للورى دستور حق خالـد
أمجادنا فى ظلـه تتحقـق
هو للنفوس البائسات سعادة
وبغيره تشقى النفوس وتزهق
وفى القرآن العظيم تتجلى منزلة رسول الله ﷺ أعظم ما يكون التجلى عندما يأمر الله عز وجل باتباع هداه، وكذلك باتباع حبيبه ومصطفاه، فيقول جل فى علاه: ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاى فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ (طه:123)، ويقول عن رسوله ﷺ: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ (النور:54)، ويقول كذلك آمرًا باتباعه ﷺ: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِى الْأُمِّى الَّذِى يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (الأعراف: 158).
لقد أعلى الله مكانة نبيه ﷺ فجعل اتباعه دليلاً على صدق المحبة لله، وسبيلاً لنيل محبة الله، والفوز بعفوه وغفرانه، قال جل وعلا: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (آل عمران:31).
وزاد الله تعالى نبيه تكريمًا فجعل مبايعته من مبايعته فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّه﴾ (الفتح:10).
كما جعل طاعته من طاعته فقال: ﴿مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ (النساء:80).
ولقد ربط الله عز وجل طاعة رسوله ﷺ بطاعته سبحانه، فى مواطن كثيرة من الكتاب العزيز، وبأساليب عديدة:
منها أسلوب الأمر من الله كما فى قوله تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ (آل عمران:32)، وقوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (آل عمران:132).
ومنها أسلوب الشرط الذى يعلق الفوز والنجاة على طاعة الله وعلى طاعة نبيه ﷺ، كقوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ (النساء:69).
ومنها الأسلوب الذى يكرر فيه فعل الأمر بالطاعة، فيأتى مرة متعلقًا بالله تعالى، ومرة أخرى متعلقًا برسول الله ﷺ، لمزيد تكريمه وتشريفه، كما فى قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِى الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾ (النساء:59)، وقوله تعالى:﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ (المائدة:92)، (واقرأ التغابن:12، محمد:33).
وفى الأساليب السابقة كلها جاء لفظ (الرسول) بهذا اللقب التكريمى، المعَرّف بالألف واللام التى تفيد العهدية، فهو ﷺ معهود، ومعروف، ومعلوم للقاصى والدانى، والبعيد والقريب، والعدو والحبيب، يشهد الجميع بصدقه وأمانته، وكرمه ومروءته، وحلمه ورأفته، وعفوه وسماحته، فالتعريف بالألف واللام يفيد أنه للجميع معروف، وبعظمة الخلال والأخلاق موصوف.
ومع ذلك فهناك طريق تعريفى تكريمى آخر غير التعريف بالألف واللام، وهو التعريف بالإضافة، إشارة إلى تعدد أوجه عظمته عليه الصلاة والسلام، ويجيء التعريف بالإضافة إلى الضمير العائد إلى الله عز وجل، فيأتى لفظ (الرسول) بصيغة (رسوله)، وهى إضافة تكريم وتشريف من المضاف إليه وهو الله تعالى إلى المضاف وهو نبيه محمد ﷺ.
من ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال:1)، (واقرأ الأنفال: 20-46، الأحزاب:33، المجادلة:13).
ومن أساليب الإضافة كذلك ما يأتى بصيغة الشرط التى ترتب الخير كله على طاعة الله ورسوله، كما فى قوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (النساء:13)، (واقرأ النور:52، الأحزاب: 71، الفتح:17، الحجرات:14).
ومن أساليب اقتران طاعة رسول الله ﷺ بطاعة الله عز وجل ما يأتى بصيغة المضارع الدال على الاستمرار التجددى، فطاعة رسول الله من طاعة الله تعالى دائما وفى كل الظروف والأحوال، يقول تعالى: ﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ (التوبة: 71).
ومن أساليب الطاعة لله تعالى ورسوله ﷺ ما يأتى بصيغة الفعل الماضى الدال على تحقق الالتزام والامتثال من المؤمنين، كما قال تعالى: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ (البقرة:285)، وقال سبحانه: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ (النور:51).
ومن أساليب الطاعة بالفعل الماضى ما يأتى للندم على معاداة رسول الله ﷺ، وإيذائه ومحاربته، والتصدى لدعوته إياهم إلى الإيمان، وعبادة الله الواحد الديان، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا﴾ (الأحزاب: 66).
وبلغت منزلة رسول الله عند الله إلى درجة أن الله تعالى يفرد رسوله ﷺ بوجوب طاعته والامتثال له كما قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ (النور:56)، وهذا إعلاء من الله لشأن رسوله ﷺ، لأنه المبلغ عن الله فى كل ما يريده الله من عباده، وأكد ذلك رب العزة فى قوله: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (الحشر: 7).
إن منزلة رسول الله ﷺ عند ربه عز وجل توجب طاعته، وتحذر من معصيته حسبما تقتضيه نهاية الآية السابقة، وكذلك آيات أخرى كثيرة كقوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا﴾ (النساء:42)، وقوله تعالى: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (النساء: 13-14)، (واقرأ الأحزاب:36، الجن:23).
وهكذا يوجب الله رب العالمين، فى سور وآيات كتابه الكريم، طاعة رسوله الأمين، ويحذر من مخالفته وعصيان أمره، والآيات الكريمات الدالة على ذلك أكثر من أن تحصى. ولعل فى هذا ردا على من يصفون أنفسهم بالقرآنيين، الذين يلتزمون فقط بالقرآن، ولا يلتزمون بسنة سيد الأنام عليه الصلاة والسلام.
هذا هو القرآن العظيم يدحض حجتهم، ويلجم ألسنتهم، ويفضح نواياهم، ويرد كيدهم إلى نحورهم، وتنطق الآيات البينات بأن طاعة رسول الله ﷺ هى طاعة لله، ومعصية رسول الله ﷺ هى معصية لله، وأنه لا يحل لأحد تجاوز شرع الله، أو مخالفة سنة حبيبه ومصطفاه، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (النور:63)، وقال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (الحجرات:1)
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. ▪
بقلم: أ.د. عبد الفتاح البربرى
الرئيس العام للجمعية الشرعية - الأستاذ بجامعة الأزهر