المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة  | اتصل بنا

المجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة

محاضرة علمية بعنوان صور من الإعجاز العلمي في القرآن والسنة

الثلاثاء, 26 تموز/يوليو 2016 10:26


الصدوع بين الألواح القارية
قال تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ﴾الطارق: 11 ﴿وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ﴾الطارق: 12 ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾الطارق: 13﴿وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ﴾الطارق: 14
يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن الأرض، والمقصود بها هنا الغلاف الصخري الصلب المحيط بجرمها، أنه قطع متجاورات يفصل بينها أخاديد، أي: صدوع عميقة، وهذه الكتل الصخرية غلب عليها بمصطلح العلم "الألواح القارية " وهي تتباعد عن بعضها مع مرور الزمن .
لقد قام العلماء برحلات عديدة رصدوا فيها وجود قشور عميقة تفصل بين أجزاء القشرة الأرضية فأطلقوا اسم " الألواح القارية " على تلك الأقسام ، وتسمى تلك الشقوق بالصدوع وتطفو هذه الألواح الصخرية فوق نطاق لدن شبه منصهر عالي الكثافة واللزوجة، وتنطلق فيه تيارات الحمل من أسفل إلى أعلى، حيث تبرد وتعاود النزول إلى أسفل، فتدفع معها ألواح الغلاف الصخري للأرض متباعداً بعضها عن بعض في إحدي حوافها، ومصطدمة مع بعضها البعض عند الحواف المقابلة، ومنزلقة عبر بعضها البعض عند بقية الحوا ف، وينتج عن هذه الحركات لألواح الغلاف الصخري للأرض عدد من الظواهر الأرضية المهمة التي منها اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها باستمرار عند حواف التباعد، وتكون أواسط المحيطات سلاسل من الجبال قد تظهر على السطح لتكون الجزر البركانية، وتكون أيضا السلاسل الجبلية عند حواف التصادم، وتصاحب الهزات الأرضية الإزاحة بين لوحين، وقد تؤدي إلى تكوين الطفوح البركانية، ويبلغ طول جبال أواسط المحيطات أكثر من 64 كيلومتر.
لقد توصلت البشرية في أواخر القرن الماضي ) العشرين (إلى الحقائق التي سبق ذكرها، والمتمثلة بأن هذه الأرض التي نحيا عليها منقسمة إلى كتل هائلة تسمى "الألواح القارية" وتفصل بينها شقوق عميقة كل منها يسمى الصدع ، ولقد كانت هذه الحقيقة مما يستحيل معرفتها على البشر وقت التنزيل، فكان ذكر القرآن لها مثالاً باهراً من أمثلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .. والله أعلم.
البـحـر المــسجـور
يقول تعالى: ﴿وَالطُّورِ﴾الطور: 1, ﴿وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ﴾الطور: 2, ﴿فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ﴾الطور: 3, ﴿وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ﴾الطور: 4, ﴿وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ﴾الطور: 5, ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾الطور: 6, ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ﴾الطور: 7
يخبرنا الله سبحانه وتعالى أن البحار العظيمة التي ورد ذكرها في قوله تعالى: ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ ملتهبة في أعماقها وقد اكتشف علماء الجيولوجيا أن قيعان جميع المحيطات متوقدة ناراً في مناطق الوديان العميقة في منتصف المحيطات Mid-Ocean Rifts، ويوجد الشق الأعظم منتصف المحيط الأطلسي، وتبين أنها مناطق اللقاء بين الألواح القارية، وتحيط بها من الجانبين ارتفاعات جبلية شاهقة في قاع المحيط لكن قممها دون سطح المحيط، وتفوق درجة الحرارة في تلك المناطق البركانية النشطة الألف درجة مئوية، ومع اندفاع الصهارة Magma على طول منتصف المحيط تتكون سلسلة الجبال تلك، ويتسع المحيط في كلا الجانبين والذي يعرف بظاهرة امتداد قاع المحيط Spreading Sea-Floor.
لقد ثبت علمياً بعد بحوث متعددة ومشاهدات ميدانية بأن أعماق المحيطات فيها براكين ملتهبة وهي أكثر عدداً وأعنف نشاطاً من البراكين على سطح اليابسة، ولذلك فقيعان تلك البحار تبقى ملتهبة متأججة بالنيران رغم وجود الماء، وهذه الحقيقة المدهشة لم يتوصل إليها العلماء إلا في الستينيات وأوائل السبعينيات من القرن العشرين الماضي، فسبق القرآن العظيم الذكر هذه الحقيقة دليل على ربانية القرآن وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
مراحل تكون السحاب الانبساطي
قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾الروم: 48
يبين الله تعالى في هذه الآية كيفية خلق السحاب الذي ينزل منه الماء، وذلك وفق نظام حركة الرياح في الجو، والتي ينشأ عنها تكثف بخار الماء ونزول المطر مما يصاحبه ظواهر البرق والرعد، وتشكل البرد أحياناً.
ينتشر هذا النوع أفقياً في صفحة السماء على هيئة انبساطية تمتد إلى عشرات الكيلو مترات المربعة في المستوى الأفقي، وبسمك لا يتجاوز عدة مئات من الأمتار، ولذا تعرف باسم السحب الانبساطية Stratiform clouds، ويحدث التكثف لبخار الماء الصاعد من البحار وغيرها تحت تأثير حرارة الشمس نتيجة ارتفاعه وتبرده في الأعالي في وجود أنوية التكاثف، ومع التكثف يتضح السحاب للعيان، وتدفعه الرياح في الاتجاه الأفقي، فتزوده بمزيد من بخار الماء، ولكن نظراً لاختلاف درجات الحرارة في داخل هذه السحب، واختلاف نسبة الرطوبة تبدو كقطع متوزعة في السماء، ونتيجة للاتساع الكبير تتباين كذلك درجات قوى الرفع داخلها من منطقة لأخرى، فتؤدي إلى تمزيقها إلى عدد كبير من القطع المتجاورة، ولا تحدث في هذا النوع من ظواهر البرد والبرق والرعد نتيجة لقلة السمك، ولكن ينزل منه المطر مباشرة عندما يكتمل نمو القطيرات في مناطق منها دون الأخرى إلى الحد الذي يسمح بنزولها على هيئة زخات متفاوتة الشدة من منطقة لأخرى.
لقد سبق القرآن لبيان هذه الظواهر التي كان البشر على جهل تام بها وقت تنزل القرآن، حيث لم تكتشف حقيقة هذه الآلية من تشكل السحب وصدورها كسفاً ونزول المطر إلا في العصور المتأخرة، لذلك يعتبر هذا البيان مظهراً من مظاهر الإعجاز العلمي.
مراحل تكون السحاب الطبقي
قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ 24 النور: 43, ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ﴾النور: 44
هذه الآية الكريمة تصف مراحل تكون السحاب الركامي بدءاً بإجزاء السحاب وسوقه ودفعه ثم بسط الرياح الأفقية له ونموه واجتماع قطع متفرقة وتلاحمها، ثم مع اختراق التيارات الهوائية لهذه السحب يتكاثف بخار الماء، وينزل منها ماء المطر، وأحياناً البَرَد، كما يصاحب ذلك كله ظواهر البرق والرعد.
تتكون السحب الركامية clouds) (Cumulatiform من ثلاث طبقات: الطبقة العليا وتتكون من بلورات الثلج والبرد، والطبقة الوسطى، وتتكون من خليط من نقط الماء فوق المتبرد وبلورات الثلج، والطبقة السفلى وتتكون من قطيرات الماء النامية، وتتكون السحب الركامية بالنمو الرأسي بسمك يتراوح من 15 –20 كم، وقد يصل حجم قطع البرد النازل من السحاب الركامي في بعض الأحيان إلى حجم قبضة اليد، وتتوفر في هذا النوع رطوبة أكثر، وتكون عوامل التكوين أكبر وأقوى، ولذا تنمو السحابة رأسيا أكثر وتعطي مطرا أغزر، ويصاحبها الرعد والبرق لاختلاف شحنة القمة عن القاع، ومع الارتفاع البالغ يتكون البرد، وحينما يتكثف بخار الماء المحمول تزداد سرعة التيارات الهوائية الصاعدة، فيزداد تدفق بخار الماء، وتخترق التيارات الهوائية السحب ليتكثف بخار الماء على هيئة طبقات من أسفل إلى أعلى، وتشتمل السحب الركامية على بلورات الثلج في قممها، وعلى خليط من البرد وقطرات من ماء شديدة البرودة في وسطها، وعلى قطرات الماء البارد في قاعدتها؛ وتصاحبها ظواهر البرق والرعد وهطول المطر وسقوط حبات البرد وبلورات الثلج، وعندما تضعف قوة الرياح الصاعدة أو عندما تزيد حمولة التراكم على قدرة الحمل تتوقف وتبدأ المكونات في الهبوط نحو سطح الأرض، وأول ما ينزل منها الماء، وقد يصاحبه نزول البرد، ويتكثف بخار الماء في قمم السحاب الركامي وتنمو قطرات الماء إلى أحجام كبيرة نسبياً، وتتجمد على هيئة بلورات، وفى وسط السحابة الركامية يتحول بخار الماء إلى خليط من البرد والماء الشديد البرودة، وحينما تسقط بلورات الثلج من قمم السحب الركامية إلى أواسطها تتجمد قطرات الماء المتواجدة في وسط السحاب، وتتكون جبال البرد، ويتولد فرق جهد كهربائي أثناء تجمد محلول مائي (ظاهرة وركمان ورينولدز)، وكذلك تتولد شحنات كهربائية أثناء ذوبان الجليد (دينجر وجون وآخرون)، ولذا يرجع البرق وما يلازمه من صوت الرعد إلى التفريغ الكهربائي الناجم أساسا عن البرد.
إن وصف هذه الآية الكريمة لمراحل تكون السحاب الطبقي من إزجاء السحاب، وبسطه ثم اجتماع قطعه المتفرقة وتراكمه نتيجة الكتل الهوائية الصاعدة، ثم نزول المطر أو البرد، وحدوث البرق والرعد، كل ذلك ورد بأسلوب شيق واضح الدلالة، رغم أن حقائق ذلك كانت مجهولة إبان نزول القرآن الكريم، مما يدل على أن المتكلم هو الله، والمبلغ هو رسول من عند الخالق العظيم، تلك هي حقيقة الإعجاز العلمي.
قبلة مسجد صنعاء نبوءة نبوية
روى الطبراني في المعجم الأوسط أن وبر بن يُحنس الخزاعي قال: "قال لي رسول الله : (إذا بنيت مسجد صنعاء، فاجعله عن يمين جبل يقال له ضين)"، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن، وقد رواه ابن السكن، وابن مندة، كما نقله الحافظ في الإصابة، وقال الحافظ الرازي في كتابه (تاريخ صنعاء) أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمر وبر بن يُحنس الأنصاري حين أرسله إلى صنعاء والياً عليها فقال: )ادعهم إلى الإيمان، فإن أطاعوا لك به، فاشرع الصلاة، فإذا أطاعوا لك بها، فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان؛ من الصخرة التي في أصل غمدان، واستقبل به الجبل الذي يقال له ضين(.
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبر بن يحنس الخزاعي، الذي وجهه إلى صنعاء أن يبني لهم مسجداً، عرف بمسجد صنعاء، وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم أوصاف المسجد، فحدد موضعه في صنعاء، وحدد لهم القبلة (بجبل ضين) الذي يبعد عن صنعاء حوالي 30 كم، وهو ما أثبتته حديثاً بالفعل صور الأقمار الصناعية، شهادةً له صلى الله عليه وسلم بالنبوة الخاتمة.
والمسافة بين صنعاء ومكة المكرمة حوالي 815كم، وإذا أردنا رسم خط مستقيم بين مكة وصنعاء فلابدّ من وجود خريطة تعتمد على الصور الحقيقية لسطح الأرض، ولابد من معرفة خطوط الطول وخطوط العرض على سطح الكرة الأرضية وهكذا بعد أربعة عشر قرناً من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جاء عصر الأقمار الصناعية ليشهد بالنبوة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فاجعله عن يمين جبل يقال له ضين) يحدد زاوية ميل المسجد الدقيقة نحو الكعبة، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (فمر ببناء المسجد لهم في بستان باذان من الصخرة التي في أصل غمدان) وما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى وبر: (أن يبني حائط باذان مسجداً، ويجعله من الصخرة إلى موضع جدره) هو تحديد دقيق لموضع المسجد ومكانه، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (واستقبل به الجبل الذي يقال له ضين) وقوله أيضاً: (واستقبل به ضيناً) هو تحديد دقيق لجهة قبلة مسجد صنعاء، وموقعه اليوم بين ساريتين من سواري المسجد تسمى أحدهما (المسمورة) والأخرى .
لو أخذنا اليوم من مسجد صنعاء خطاً مستقيما متتبعاً صور الأقمار الصناعية وفق هذه الإحداثيات لقادنا مباشرة إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، علماً بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يزر صنعاء، ولا رأى جبل ضين، ولا شاهد بستان باذان، ولا الصخرة، بل إن الناس في زمنه لم يكونوا على دراية بأسلوب تمكنهم من الاتجاه الدقيق من صنعاء إلى مكة المكرمة، فهذا يشهد أن ما قاله صلى الله عليه وسلم ليس في مقدور بشر في عصره، وحتى بعده بقرون طويلة وإنما هو الوحي، وصدق الله القائل: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ النجم: 3و4.