عرف المجتمع الكويتي العمل الخيري والتطوعي مبكراً، مع نشأة وتطور مجتمعهم، حيث كانوا أهل نجدة وفزعة ومروءة وأصحاب كرم وعطاء. لم تحل خشونة الحياة وقسوتها في السابق من دون أن تتكافل الأسر الكويتية وأن تمد يد العون لأصحاب الحاجات، فعظّموا قيم التكافل والتراحم و"الفزعة" في أوساطهم، وتجاه الآخرين، خاصة الذين كانوا يمرون بالكويت عبر الخليج العربي، وكان الوازع الديني والإنساني هو الرافد الملهم والمحرّك الفعّال نحو هذه القيم النبيلة.
ومع ظهور النفط وتطور الحياة في المجتمع الكويتي تطور العمل الخيري، وتحول من المبادرات الفردية المحلية إلى فضاء العمل المؤسسي وإطلاق الجمعيات الخيرية التي وصلت برامجها الإنسانية إلى مختلف أنحاء العالم. وخلف هذه الجمعيات الخيرية يتسابق المحسنون الكويتيون إلى تمويل مشاريعها المتنوعة ككفالة الأيتام، ورعاية المعوزين والفقراء، وإفطار الصائمين، ونجدة المنكوبين جراء الزلازل والبراكين والحروب والنزاعات الأهلية، وحفر الآبار وبناء المدارس والجامعات ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وتشييد المستشفيات في جميع أنحاء العالم، وعادت هذه المشاريع بالنفع على ملايين المحتاجين. واعتاد الكويتيون أن يستقبلوا شهر رمضان المبارك استقبالاً خاصاً، فالمساجد تزدان بالمصلين وصفوة الأئمة والوعاظ في صلوات التراويح وقيام الليل، وساحات المساجد تعمّر بموائد الإفطار، ومندوبو الجمعيات الخيرية يصدحون في روّاد المساجد معلنين عن مشاريع جمعياتهم وداعين إلى الإنفاق والتبرع، ووزارتا الأوقاف والشؤون تنظمان المشهد الخيري وتراقبانه.
والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية تشارك في هذه الملحمة الإنسانية هذا العام بحملة طموحة تحمل شعار "خير للعالمين" إيماناً منها بأن تبرعات أهل الخير تصنع للمحتاجين حياة أفضل، وتكفل للمتبرعين والمانحين الأجر والثواب. حملة "خير للعالمين" جاءت هذا العام متنوعة المشاريع، طموحة الأهداف، فمشروع إفطار الصائم استهدف 32 دولة بأسعار متفاوتة للسلة الغذائية التي تكفي أسرة مؤلفة من 5 أفراد طيلة الشهر الفضيل، وتتراوح قيمة السلة بين 15 ديناراً و30 ديناراً، وقد دأبت الهيئة على إقامة هذا المشروع الموسمي لما له من أثر معنوي كبير في أوساط مئات الآلاف من المستفيدين.
وتركّز الحملة على المشاريع التنموية القائمة على فكرة القرض الحسن تحت شعار: "ساعده ليساعد نفسه" وتبلغ قيمة المشروع الواحد 300 دينار، وتتنوع هذه المشاريع بين زراعية وتجارية وصناعية وإنتاجية وخدمية، ولهذه المشاريع دور كبير في تحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والتعليمية للفقراء، ولهذا أولتها الهيئة اهتماماً خاصاً، إذ بلغ عدد المشاريع التي يموّلها البرنامج التمويل الأصغر أكثر من 33 ألف مشروع تنموي وإنتاجي منذ إطلاقه عام 1998م، بقيمة 33 مليون دولار، وبلغ عدد المستفيدين من هذه المشاريع أكثر من 266 ألف نسمة في 32 دولة حول العالم، وتشير مؤشرات قياس الأثر إلى نجاح كبير لهذه المشاريع التي تبلغ نسبة سداد قروضها إلى 100%.
وحثاً على مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وفق الحديث الشريف "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة"، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى، جاء مشروع كفالة الأيتام بقيمة 15 ديناراً في عشرات الدول بقارتي آسيا وأوروبا والدول العربية وفلسطين، وتكفل الهيئة 16500 يتيم في 30 دولة، ويعد مشروع كفالة الأيتام من المشاريع المهمة والملحة في ظل استمرار النزاعات والكوارث بالمنطقة وتزايد أعداد الأطفال اليتامي بمعدلات مخيفة ومروعة وفق التقارير الدولية. ومع استمرار التداعيات الإنسانية للكوارثِ والنزاعاتِ برزت الحاجة إلى العديد من المشاريع الإغاثية والصحيّة والتعليميّة والتنمويّة والدعويّة والاجتماعيّة، ولهذا أطلقت الهيئة مشروع "سهم الإغاثة لرعاية وإيواء المهجّرين واللاجئين في المناطق المنكوبة من جراء النزاعات والمجاعة والحصار (سوريا، اليمن، فلسطين، الصومال) بقيمة 100 دينار منطلقة من مبدأ أن إغاثتهم واجبنا، والهيئة بدعم من أهل الخير لم تدخر جهداً في بناء القرى والمرافق المختلفة وتسيير
القوافل والفرق التطوعية وإطلاق الحملات الإعلامية والتسويقية لاحتواء المضاعفات الإنسانية للمنكوبين والمشردين في العديد من الدول. ونظراً لأهمية الوقف ودوره التنموي والحضاري، فقد أولته الهيئة اهتماماً كبيراً ضمن برامج الحملة، وأنشأت العديد من الوقفيات التي تغطي معظم جوانب الخير، وتلبي الحاجات الأساسية للمحتاجين والمعوزين، وحددت 300 دينار للوقفية الواحدة، تدفع مرة واحدة أو على أقساط شهرية، وتضم قائمة الوقفيات (أعطه فأساً ليحتطب، قطرة ماء، اليتيم، القرآن الكريم، المساجد، الأسر المتعففة، الأضاحي، إفطار الصائم، نور على الأرض، برالوالدين، الدعاة، الإسراء، طالب العلم).
ولم تغب الأوضاع الإنسانيّة في فلسطين عن مشاريع الحملة، فقد تطرقت إلى مشاريع عديدة، منها أسهم المشاركة في ترميم المسجد العمري الكبير في غزة وكفالة معاق أو مريض فشل كلوي، وأسهم المشاركة في وقفية الإسراء وكفالة طالب في مصاطب العلماء داخل المسجد الأقصى، وأسهم المشاركة في إنشاء مركز الكويت التخصصي للأشعة التشخيصية في غزة وكفالة يتيم وكفالة حافظ للقرآن ومشروع تركيب أطراف اصطناعية وكفالة اليتيم تعليمياً وإفطار صائم في المسجد الأقصى وعيدية اليتيم وكسوة العيد. هذه باقة من المشاريع الإنسانية التي تسعى الهيئة إلى تسويقها مستثمرة الأجواء الإيمانية في شهر رمضان وحرص أهل الخير على العطاء والإنفاق بهدف تخفيف معاناة المنكوبين والفقراء والمعوزين، وقد لوحظ أنها مشاريع متفاوتة التكاليف تقدمها الهيئة إلى أهل الخير لمنحهم الفرصة للعطاء، واستنهاض هممهم لدعم المحتاجين، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفّس عن مؤمن كُربة من كُرب الدنيا نفّس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".