أولًا: مفهوم حج النافلة:
حج النافلة هو ما يؤديه المسلم بعد أدائه حجة الفريضة التي فرضها الله تعالى على المستطيع مرة واحدة في العمر، وبناء على ذلك فكل حج بعد أداء حجة فهو نافلة، والنافلة في المفهوم اللغوي تعني الزيادة، وفي المفهوم الشرعي الزيادة بالتطوع بعد أداء الفريضة.
حكم فعل النافلة: النوافل من اسمها يؤخذ حكمها، فهي مستحبة ومندوبة سواء أكانت عينًا أم كفاية.
ثانيًا: مفهوم ضرورات وحاجات الأمة:
الضرورات هي مصالح الناس التي لا تستقيم حياتهم إلا بها, لذا فكل الأحكام الشرعية تؤول إليها وتسعى للحفاظ عليها.
فمفهوم ضرورات الأمة وحاجاتها: هو كل ما ييسر سبل الحياة الإسلامية لجميع المكلفين، ويعينهم على أداء التكاليف الشرعية العبادية والاجتماعية...، ويرفع عنهم الضيق والحرج والمشقة في كل شؤون حياتهم.
ثالثًا: حكم القيام على الضروريات والحاجيات:
معلوم على سبيل القطع أن من أعظم مقاصد الرسالات والنبوات تحقيق ضرورات الناس وحاجاتهم، وتيسير الحياة ورفع الحرج والمشقة عنهم، وبذلك نطق الوحي قرآنًا وسنة، وأحكمته التشريعات الإسلامية، فهي رأس الأمر في الدين والملة.
رابعًا: فروض الكفاية من كنوز الفقه الإسلامي:
وتنطلق فروض الكفاية من قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104)، وليس معنى {منكم} أي بعضكم، ولكن (مِنْ) هنا تجريدية؛ كقولك لابنك: أريد منك رجلًا، حيث إن من خصائص هذه الأمة أن كل واحد فيها يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، وكذلك من قول الرسول- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»([1])، ومن هنا بدأت الجمعية الشرعية تبحث في مشكلات المجتمع وفيما يعانيه من أخطار وأخطاء، ووضعت نفسها موضع المبتلى فقيرًا كان أو مريضًا أو محتاجًا أو يتيمًا، ومن هنا كانت بداية انطلاق مشروعات الجمعية الشرعية المتعددة، ومن فروض الكفاية كشف الهم، وإذهاب الغم، ورفع الضرر عن أصحاب الكرب، وخاصة المرضى، وفي مقدمتهم الأطفال المبتسرين.
خامسًا: الجمعية الشرعية نموذجًا لإحياء فروض الكفاية:
حيث انطلقت الجمعية الشرعية في مشروعاتها من واقع أنها تقدم فروض الكفاية نيابة عن الأمة التي نسيت أو تناست هذه الفروض التي قامت عليها الحضارة الإسلامية والوحدة التكافلية التي عمت الأمة الإسلامية، وبدأت الجمعية تبحث في مشكلات المجتمع وفيما يعانيه من أخطار وأخطاء، ووضعت نفسها موضع المبتلى فقيرًا كان أو مريضًا أو محتاجًا أو يتيمًا، ومن هنا كانت مشروعات الجمعية الشرعية المتعددة، في المجال الإغاثي، والاجتماعي، والطبي وغيرها في القطر المصري وفي عدد من الدول الإسلامية.
سادسًا: المقارنة بين النوافل وحاجات الأمة:
في ضوء ما سبق لا مجال للمقارنة، فقد نضطر لتقديم واجب على واجب إذا تعارضا، لكن لا مجال للمفاضلة عند المقارنة بين واجب ونافلة، فالشرع والعقل قاضيان حاكمان بتقديم الواجب على النوافل قطعًا.
أخرج الطبراني عَنِ ابْنِ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنهَما-: أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ, وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ, أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً, أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا, أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا, وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ - يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ - شَهْرًا, وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ, وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ, وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ [وَإِنَّ سُوء الْخُلُقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلّ الْعَسَل]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ: «وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ»([2])، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وَالْحَجُّ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ الَّتِي لَيْسَتْ وَاجِبَةً. وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُ أَقَارِبُ مَحَاوِيجُ فَالصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مُضْطَرُّونَ إلَى نَفَقَتِه).
سابعًا: إغاثة الملهوف وإعانة الضعفاء من مكارم الأخلاق:
الإغاثة هي تقديم الغوث و التخليص من الشدة والنقمة والعون على الفكاك من الشدائد، وهو خلق إسلامي أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوة الصادقة، وقد كانت حياة النبي– صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ– خير مثال يحتذي فيما يتعلق بإغاثة الملهوف، والمظلوم, وقد عرف بذلك حتى قبل البعثة المباركة، فعندما قال للسيدة خديجة– رَضِيَ اللهُ عَنْهَا–: «قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فأجابته في ثقة واطمئنان-: «كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَ اللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ»([3])
ثامنًا: إغاثة الملهوف من ألوان المعروف: قال تعالى: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (النساء: 114)، وعن سَعِيدِ بْنِ أبِي بُرْدَةَ ابْنِ أبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رسول الله- صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ»، قَالَوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ, قَالَ: «فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ وَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ»، قَالَوا: فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ, قَالَ: «فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ»، قَالَوا: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ, قَالَ: «فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ, أَوْ قَالَ: بِالْمَعْرُوفِ» قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ, قَالَ: «فَيُمْسِكُ عَنْ الشَّرِّ فَإِنَّ لَهُ صَدَقَة»([4])، و(ذا الحاجة): صاحب الحاجة، (الملهوف): المظلوم المستغيث والمكروب المستعين المظلوم أو المضطر المتحسر، وقيل: المعروف القرض، وقيل: إغاثة الملهوف، وقيل: هو عامّ في كل جميل([5]).
نماذج من القرآن الكريم في قضاء حوائج الناس و إغاثة الملهوف:
الصديق يوسف – عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
الْخَضِرُ وما قام به من فعل الخير.
ذو القرنين.
خاتمة: نوصي أنفسنا بالمبادرة بإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم, وإعانة الضعفاء, فإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء, وبها يتحقق للعبد النجاة من كروب الدنيا والآخرة والفوز برضوان الله، فضلًا عن تحقيق الأمن والاستقرار للأفراد والمجتمعات.
منقول عن موقع الجميعة الشرعية الرئيسية
[1] - البخاري – كِتَابُ الإِيمَانِ - بَابٌ: مِنَ الإِيمَانِ أَنْ يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ- رقم/ 13
[2] - سنن أبي داود - كِتَاب الْأَدَبِ -بَابٌ فِي الْمَعُونَةِ لِلْمُسْلِمِ - رقم/ 4946 [حكم الألباني] : صحيح
[3] - البخاري - كِتَابُ التَّعْبِيرِ- بَابُ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ - رقم/ 6982
[4] - البخاري – كتاب الأدب - بَابٌ: كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ رقم/ 6022
[5] - الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل- الزمخشري جار الله (المتوفى: 538هـ)- ج 1 ص 564 دار الكتاب العربي – بيروت- الطبعة: الثالثة - 1407 هـ.