لا شك أن افتتاح مسجد الصحابة بمدينة شرم الشيخ بجنوب سيناء بما صارت عليه عمارة المسجد الذي يُعد أهم أيقونة معمارية في القرن الحادي والعشرين في مجال العمارة الإسلامية ، يعد حدثًا هامًا يضاف إلى رصيدنا الحضاري ، وإذا كان ديننا الحنيف قد علّمنا أن نشكر من يستحق الشكر من منطلق حديث نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ”(رواه أبو داود) فإن شكرًا واجبًا نوجهه إلى سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية الذي كلّف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بإتمام بناء وتشييد هذا المسجد ، كما نتوجه بالشكر أيضًا لقواتنا المسلحة الباسلة ممثلة في هيئتها الهندسية ، فهي بحق يد تبني وأخرى تحمل السلاح ، والشكر واجب أيضًا للسيد اللواء / خالد فودة محافظ جنوب سيناء ، ولفريق العمل الذي عني بأمر هذا المسجد ، وبخاصة ذلك المهندس المصري الذي قام بتصميم المسجد والإشراف على تنفيذه .
إن هذا المسجد بما هو عليه الآن يجعلنا نفخر بأننا قادرون على أن نضيف إلى رصيدنا الحضاري إضافة حقيقية ملموسة ، فليس الفتى من يقول كان أبي فحسب ويقف عن هذا الحد ، إن الفتى الحقيقي من يقول هأنذا .
وعلى حد قول الآخر :
نبني كمـــا كانـــت أوائلنـا
تبنــي ونفعل مثل ما فعلـوا
وكما قال السموءل :
إذا سـيـد مـنـا خـلا قـــام سـيـــد
قئول لما قال الكـــرام فـعـــول
وكما قال زهير بن أبي سلمي :
وما يكُ مِنْ خَيْرٍ أَتَوْهُ فَإنَّمَا
تَـــــــــوَارَثَهُ آباءُ آبَائِهِمْ قَبْلُ
فالحضارة بناء تراكمي يضع كل جيل لبنة في بنائه ، وهكذا الأوطان العظيمة يضع كل جيل من أبنائها بصماته علي جنبات تاريخها ، ولكم كنت أتمني أن أشهد افتتاح هذا المسجد العظيم ، وإني لأحمد الله أن وفقني لحضور هذا اليوم المشهود في تاريخ عمارة المساجد بمصر.
على أن هناك بعض الدلالات الأخرى منها أن يكون هذا المسجد بهذه الفخامة في مدينة السلام بأرض السلام بسيناء الغالية لنبعث برسالة سلام للعالم كله ، وأن سيناء ومصر الكنانة ستظل مصدرًا للسلام ، وأن الإرهاب لا يمكن أن يكسر شوكتنا ، أو أن يفت في عضدنا ، أو ينال من عزائمنا ، أو يثبط هممنا عن البناء والتعمير ، فإننا سنظل نواجه الإرهاب بالبناء والفكر المستنير ، وسنظل نبني ونبني حتى ندحض هذا الإرهاب الغاشم ونجتثه من جذوره .
الأمر الآخر أن يكون هذا المسجد في مدينة شرم الشيخ له دلالة أخرى ، فهي ليست مجرد مدينة سياحية ترفيهية فحسب ، إنما هي مدينة قيم وأخلاق وإعمار واستثمار، وسياحة علاجية ، ولعل من حسن الطالع مع افتتاح هذا المسجد أن تحتضن هذه المدينة مؤتمر السياحة العلاجية الدولي ، كما أنها تعد لوحة من اللوحات الفنية الطبيعية التي حبا الله بها مصر بصفة عامة وسيناء بصفة خاصة .
ويأتي اختيار اسم مسجد الصحابة ليعبر عن تقديرنا الكامل ومعرفتنا الحقيقية لمكانة أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جميعًا في نفوسنا ، وإننا نؤمل أن يكون هذا المسجد منارة علمية لعلوم الكتاب والسنة في ضوء الفهم الصحيح المستنير لهما ، على أيدي العلماء والأئمة المتميزين ، وبخاصة من يجيدون أكثر من لغة ، حتى يتمكنوا من التواصل الصحيح المستنير مع رواد المسجد وزائريه من مختلف دول العالم ، ولهذا قررنا أن يكون أئمة المسجد ممن يتقنون إحدى اللغات الأجنبية ، وأن نلحق بالمسجد مكتبة كبيرة ، ومركزًا للثقافة الإسلامية، مع تنفيذ برنامج دعوي متميز على مدار أيام الأسبوع بالمسجد ، فكما أن المسجد يعد أيقونة حضارية ومعمارية متميزة ، فإننا نعمل على تطابق المعنى والمبنى ليكون المسجد منارة وصرحًا علميًا ودعويًا ومعرفيًا وسطيًا مستنيرًا إلى جانب كونه رمزًا حضاريًا كبيرًا.