- إن الدين الذي تعلّمناه والذي أخذناه عن آبائنا و مشايخنا و الذي أبهرَنا في جانبه الروحي و العلمي و الفكري و الحياتي و الذي أحببناه من قلوبنا و حبّبَ لنا رسولَ الله صلى الله عليه و سلم حتى أصبحنا لا نستطيع أن نعيش إلا من خلال سنّته الشريفة المنيفة بحب الله له و بحب الناس له ، و قد كان الأسوة الحسنة و قد كان المثال الأتم و الإنسان الكامل صلى الله عليه و آله و سلم الذي تلقّيناه اصطدم مع ما عليه النابتة و كنتُ أبحث : ما الفرق بيننا و بينهم ؟ ونحن عندما تعلّمنا تعلّمنا بما يرضي الله تعلّمنا الأبجدية أوّلاً في كل العلوم ، تعلّمنا بمنظومة العلم المتكاملة : من شيخ و من كتاب و من منهج و من تدرّج و من جوّ علمي و جلسنا نترقّب في مجالس العلم و في درجات المعرفة حتى منَّ الله علينا بما منَّ به سبحانه و تعالى ما الفرق الذي بيننا كأهل السنة و الجماعة و بين ما ننعي عليهم من النابتة ممن أسميتُهم بـ "خوارج العصر" ولم أكن أنا أوّل من سمّاهم بذلك و هناك كتابٌ ماتعٌ ألّفه أحد الباحثين : " حسين القاضي " جمع فيه من أوائل القرن العشرين أئمة الهدى في وصف هذه الجماعات بخوارج العصر فالحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات . ما الفرق الذي بيننا و بينهم ؟ رأينا فيما تعلّمناه مظلّةً تقبل التعددية ، و رأينا عند النابتة أحاديّة في التفكير أدّت إلى التكفير رأيناهم أصحابَ هوى يختارون بالانتقاء و ليس بمنهجٍ علمي و قواعد مرعيّة رأيناهم يقفون عند النصوص و قد علّمَنا علماؤنا أنَّ هناك فارقاً بين النص و بين تفسير النص و بين تطبيق النص رأيناهم يتبعون خيالَهم و لا يدركون الواقع رأيناهم يجهلون اللغةَ العربيّة و يجهلون المصالحَ المرعيّة و يجهلون المقاصد الشرعيّة و يجهلون المآلات المُعتبَرة في حين أنّنا نظرنا مرّة أخرى إلى أهل السنة و الجماعة من الأشعرية فوجدنا أن الأشعري نفسه له قولان و رأينا أن المذهب من بعده قد يتبع قولاً منصوصا و آخر مخرَّجاً ، و أصبح التخريج له أصول رأينا في ما تعلّمناه من مشايخنا حرية الفكر على أبدع ما يكون ، إنّها ليست انفلاتاً و ليست تعصّباً وليست انتقاءً بل هي احترام للآراء المدللة عند صاحبها و هي قابلةٌ للمناقشة . أغلب كتب الأشعري ضاعت و لولا مجرّد أقوال الأشعري ما وصلنا منها إلا النزر اليسير أين البقية ؟ نحن نتكلّم عن أمّة ولا نتكلم عن فرد عندما نتمسّك بالبخاري هذا التمسّك الذي يتعجب به غير المتخصّصين نقول لهم إنَّ صحيح البخاري ليس من تأليفه فقط بل هو كتابُ أمَّة اشتغلَت عليه و خرَّجَت المستخرجات و شرحت تلك المتون وتتبَّعَت تلك المعاني إلى آخر ذلك هو كتاب أمّة و كلُّ ما في البخاري مما ينتقده المنتقدون هو موجودٌ في القرآن ، و لذلك فهي خطوةٌ أولى لضرب القرآن بعدما احتمى هذا الناقد الناقض بالاعتراض على الامام البخاري . - كلّ ما ذهب إليه الأشعريّة إنما هو ترجمةٌ صحيحةٌ لما في الكتاب و السنة ، فإذا غاب هذا المعنى عن أحدهم و غفل عنه و اتبع المذهب الفلاني أو العلّاني فإنّه يكون تحت مظلّة أهل السنة و الجماعة إلا أنّه قد خالف ما عليه العلماء . - منهجُ الأشعري يعيش الواقع و يدركه ، منهجُ الأشعري هو الذي به العمارة و الحضارة و أنا ألخّص ما ذكر في هذه المنصّة الكريمة عبر تلك الأيام . - أمّا جهالة النابتة فقد فقدوا أيضا السند ، و كان من المُضحِكات أنَّ أحدَهم حاول أن يجعل سنداً ملفَّقاً بالنابتة ، ثم بعد ذلك لما اكتشف الحال و رُدَّ عليه بأن هذا سند لا وجود له في الواقع أخفوه الآن - السند فيه بركة هكذا علّمنا مشايخنا و أنَّ البركة تنثال من خلال السند ( و أنا أتذكر أنَّ ناصر الدين الألباني تكلَّم عن سند قد أخذه من الشيخ راغب الطباخ في مكتبته بحلب ثم إنَّه مزَّقه لأن هذه تمثيلية ) السند الذي فيه سريانُ البركة أصبحَ تمثيليّة إذاً هذا هو الفارق الكبير بين أهل العلم أهل السنة و الجماعة أهل حرية الفكر المنضبط الذي مصدره الكتاب و السنة و بين أصحاب الأهواء و البدع . - الحمدلله جماهيرُ الأمة و حتى الآن ما زالت على معتقد أهلِ السنة و الجماعة يرفضون ما عليه النابتة و هؤلاء المتشدّدون و خوارج العصر و لكن قضية التواصل الاجتماعي على خطر عظيم : فإنَّهم بهذا الإغراء الذي يتم قد يستطيعون أن يؤثّروا في جيلٍ بحاله ، فالأمر خطير و العمل كثير و يجب علينا أن نعمل ليل نهار من أجل أن نتركَ لأبنائنا و أحفادنا ديننا كما علَّمه لنا مشايخنا و آباؤنا . - - ماذا حدث و هل هذا الكلام كلامٌ نظري ؟ أبداً ، كما سمعنا الآن و كما سمعنا عبر اليومين الماضيين ، أدّى ها الانحراف عن الجادّة و عن المنهج الصحيح إلى العنف و الدم ،أدّى هذا الانحراف إلى تشويه صورة الإسلام في أذهان العالمين ، أدّى هذا الانحراف إلى الصد عن سبيل الله حتى ولو كان ذلك بغير علم ، و هناك فرق بين تشويه الصورة و بين الصد عن سبيل الله وقد نتج الأمران معاً ، أدّى ذلك إلى ضياع مصلحة المسلمين في أموالهم و في دمائهم و في أعراضهم و في أوطانهم ضياع المصلحة ، أدى هذا إلى الفشل في معالجة الحياة الدنيا . - هذا نلخّصه في أن هذا النمط من أنماط التعليم و الاعتقاد يمثّل الهرم المقلوب و الهرم المقلوب قاعدته فوق و رأسه تحت ، القاعدة أثقل بكثير من الطرف و القمة فينهار على رأس صاحبه . - احفظوا أنَّ هؤلاء يدعون إلى الدين الموازي و الدين الموازي دينٌ لا علاقة له بالإسلام ، و لذلك فهمتم قول رسول الله صلى الله عليه و سلم " الخوارج كلاب أهل النار " وكنت أسأل نفسي و أنا صغير : كيف وهم مسلمون كلاب أهل النار ؟! نعم إنَّهم يستعملون المصطلحات الإسلاميّة و يتكلّمون بألستنا و لكن دينهم دين آخر ليس هو الدين الذي أنزله الله على سيدنا النبي صلى الله عليه و سلم . - - كلُّ جيل منهم يأتي يلعن الجيل الذي قبله و يزداد في الغلو و التشدد و الجهالة و الفشل و الدم .. كل جيل يأتي يأتي بأشدّ مما كان عليه آباؤه الذين لم يعلّموه و إنما تركوه مع منهج معوج - كلُّ ذلك أدى إلى ذهاب الأمن من العالم و ذهاب الأمن خوَّف الناس ، كل الناس الآن تخاف بعضها من بعض سواء في الداخل الإسلامي أو بين المسلمين و غيرهم أو حتى بين غير المسلمين أنفسهم الناس خائفة ، أهل السنة و الجماعة طمأَنوا الناس عبر القرون ، أرجَعوا الأمن " الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف " و بالأمن جاء الإيمان ، و كان مشايخنا يذكرون لنا قاعدة غريبة ما فهمناها حقَّ فهمها إلا عندما رأينا هؤلاء النابتة ، كانوا يقولون لنا في الدرس: " الأمن قبل الإيمان " و لقد رأيناها بأعيننا أنَّه إذا ذهب الأمن ذهب الإيمان قطعاً ، و لكن إذا جاء الأمن كانت هناك فرصة للإنسان أن يُدعَى إلى الإيمان و أن يُدعَى إلى عمارة الأرض و إلى تزكية النفس من خلال عبادة الله . - هذا البلاء أدى إلى التكفير و إلى الشَّرذَمة و إلى أنَّ كلَّ شخص يكفِّر من حوله حتى كفَّروا أنفسهم . - علينا أن نعمل ليل نهار لأننا ليس معنا ما معهم من أموال و لا معنا ما معهم من أوقات وهم قد سبقونا إلى التواصل الاجتماعي سبقاً يقتضي منّا العمل . - يارب افتح علينا فتوح العارفين بك .