طباعة

البيان الختامي الصادر عن مؤتمر "الشباب المسلم في مواجهة الإرهاب"

الإثنين, 30 أيار 2016 13:54

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله، نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن والاه، أما بعد:

فبعون الله وتوفيقه اختتم مؤتمر «الشباب المسلم في مواجهة الإرهاب» الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي بالتعاون مع رابطة مسلمي الألزاس في ستراسبورغ في يومي 21و22/8/1437هـ اللذين يوافقهما28 و29/5/2016م.

وقد افتتح المؤتمر معالي الأمين العام للرابطة الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي بكلمة رحب فيها بضيوف المؤتمر والمشاركين فيه، وأكد على أن الممارسات الإرهابية تتعارض مع الإسلام الذي بعث الله نبيه رحمة للعالمين، ودعا المؤسسات والجمعيات الإسلامية إلى المزيد من الجهود في توعية شباب الأمة بواجبهم الحضاري والإنساني، وتحذيرهم من الانغرار بالشعارات التي ترفعها تيارات الغلو والجفاء التي أعطت فرصة للمغرضين الطاعنين في الإسلام.

وأبدى المشاركون في المؤتمر قلقهم من تصاعد العداء للمسلمين، وأكدوا أن التصدي للإرهاب لا يجيز المساس بحقوق المسلمين والتخويف منهم، بل يستوجب التعاون مع المسلمين ومؤسساتهم في الوقوف على أسباب هذه الظاهرة، والعمل على حل المشكلات والنزاعات التي يؤدي استمرارها إلى العنف والتطرف، وإذ يدين المؤتمر بشدة الجرائم التي ترتكبها المجموعات المتطرفة كداعش وغيرها في الشرق والغرب فإنه يؤكد على خطورة الجرائم المروعة التي ترتكبها المليشيا الطائفية في العراق وسورية واليمن، وأنها من أقوى الأسباب لتفاقم ظاهرة الإرهاب في العالم.

وأثنى المؤتمر على جهود الدول والمؤسسات الإسلامية في مواجهة الفكر المتطرف، ودعا إلى الاستفادة في مواجهته من تجربة المملكة العربية السعودية وتجارب الدول الأخرى.

وبحث المؤتمر الموضوعات التالية:

- المسؤولية المشتركة في محاربة الإرهاب

- المؤسسات الدينية في مواجهة الإرهاب

- العمل الإسلامي والتصدي للتطرف

- تحصين الشباب من مظاهر التطرف

وأكد المؤتمر على ما يلي:

1. أن الإرهاب ظاهرة إجرامية لا تقتصر على المسلمين، ولا علاقة لها بالأديان، فهي وليدة الصراعات السياسية والنزاعات الطائفية التي تجردت عن القيم الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية.

2. أن الإرهاب وليد الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، وأن ارتكاب بعض المنتسبين للإسلام للممارسات الإرهابية نتيجة للفهم الخاطئ لتعاليم الدين؛ لا يبرر إلصاقه بالمسلمين، وترويج الصورة النمطية التي تشوه صورتهم، وتستعدي عليهم القوى المتطرفة.

3. أن الشريعة الإسلامية تعتبر الممارسات الإرهابية نوعاً من الإفساد في الأرض، لما فيها من إشاعة الذعر بين الآمنين ، وزعزعة الأمن، ونشر الفوضى، وتدمير الممتلكات، والاعتداء على الأموال الخاصة والعامة، والبنى التحتية.

4. أن الإسلام يدعو إلى تحقيق عبادة البشر لخالقهم، وترسيخ القيم الفاضلة التي تعزز السلم الاجتماعي، وتحرير الإنسانية من الظلم والتمييز العنصري والاستعلاء العرقي، والإسهام في بناء عالم تسوده العدالة والأمن والسلم.

5. أن الأصل في العلاقة بين المسلمين وغيرهم هو السلم والعدل والتعاون على الخير، قال الله تعالى: ﴿ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ﴾ (الممتحنة: 8).

6. حرية الرأي والتعبير لا تبرر ما تقوم به بعض الوسائل الإعلامية من نشر الصور السيئة عن الإسلام ورموزه، والتخويف غير المبرر من المسلمين ، وهو سبب رئيس في بث ثقافة الكراهية وتوتير العلاقات بين الشعوب.

7. دعوات المسلمين إلى الحوار الحضاري تعبر عن رغبتهم في التعايش السلمي والتفاعل الإيجابي مع مختلف أتباع الأديان والحضارات الإنسانية، وفتح صفحة إيجابية في العلاقة الحضارية معهم.

8. التعرف على الإسلام يكون من خلال أصوله الصحيحة وعلمائه المعتبرين، بعيداً عن الدعايات المغرضة التي يغذيها التطرف الفكري والرؤى المتسمة بروح العداوة التاريخية.

9. أن تقوم المؤسسات التعليمية؛ وبخاصة الجامعات, بمسؤولياتها في ترشيد المناهج التعليمية, وأن تتحلى بالموضوعية في عرض الإسلام وتعاليمه كما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, ووفق فهم سلف الأمة الصالح.

التوصيات:

وفي ختام المؤتمر أوصى بما يلي:

أولا: المؤسسات الدولية:

- ضرورة الاتفاق على تعريف دولي للإرهاب يشمل جميع صوره، ويفرق بينها وبين الدفاع المشروع الذي تبيحه الشرائع والقوانين الدولية دفاعاً عن الأوطان والدين.

- استنكار تجاوزات بعض وسائل الإعلام العالمي، وإساءاته إلى الأنبياء ورسالاتهم وأتباعهم، واعتباره سبباً رئيساً في نشر ثقافة الكراهية والتطرف.

- ضرورة تضافر الجهود في محاربة الإرهاب، والعمل على إزالة أسبابه، ومن أهمها النزاعات والحروب الظالمة، وغياب العدالة الدولية عن الشعوب المستضعفة التي تعاني من التجويع والحصار والتدمير والقتل.

- التعاون مع المسلمين ومؤسساتهم في مواجهة التحديات التي تهدد مستقبل الإنسانية وجوداً وحضارة وقيماً، وبناء جسور التواصل معهم في نصرة القيم الفاضلة، وتحقيق الشراكة في تقويم مسيرة الحضارة الإنسانية.

- دعوة الحكومات لإفساح المجال للمؤسسات الدعوية، لتقوم بواجبها في توعية الشباب المسلم، وتعزيز نهج الوسطية والاعتدال، ونشر العلم الشرعي الصحيح المستمد من نصوص القرآن والسنة، وفق فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين.

- رفض الخلط بين الإسلام والأفعال الشاذة لبعض المنتسبين إليه، الذين خالفوا الأمة وعلماءها، وابتعدوا عن نصوص الإسلام وتعاليمه الداعية إلى الرحمة وصون الأنفس المحرمة، واحترام الإنسان، قال الله تعالى:﴿من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً﴾ [المائدة: 32].

- تأييد مبادرات الحوار الحضاري حول العالم، واستثمار المشتركات الإنسانية في تعزيز السلم العالمي، والتعاون في مواجهة التحديات التي أضرت بالقيم الإنسانية والأخلاق الكريمة، وأسهمت في تفكك الأسرة وانحلال القيم الأخلاقية.

- تشجيع مؤسسات المجتمع المدني على ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال في الشباب واستيعابهم, لتتكامل جهودها مع جهود المؤسسات الرسمية؛ وجهود العلماء الربانيين.

- تحقيق العدالة الاجتماعية، ورعاية حقوق الأقليات المسلمة، وحماية خصوصيتها الثقافية والاجتماعية.

ثانياً : الشباب المسلم:

- العمل بالإسلام من خلال أصوله الصحيحة، ومنهجه الوسطي، والاعتصام بهديه المستقيم، والاستمساك بنهج العلماء الربانيين، ونبذ الخلافات، والبعد عن المفاهيم التي تُضعف وحدة المسلمين، وعن مناهج الغلو والبدع، وشذوذ الأفكار والرؤى حول الإسلام والإنسان والمجتمع، قال الله تعالى: ﴿وكَذلِكَ جَعَلْناكُم أمّةً وسَطاً لتكونوا شُهداءَ على الناسِ ويَكونَ الرسولُ عليكُم شهيداً﴾ (البقرة : 143 ).

- تحذير الشباب المسلم من:

1.الاغترار بدعاوى الفكر المتطرف، وتطاول أنصاف المتعلمين على الفتوى بغير علم بإباحة الدماء والأموال المعصومة، وعدم الالتفاف حول العلماء المعتبرين، الراسخين في العلم.

2. الأعمال التي تضعف موقف المسلمين في المطالبة بنيل حقوقهم ونصرة قضاياهم الدولية، وتحولهم من ضحايا للظلم يتعاطف العالم معهم، إلى مدانين لصقت بهم تهمة الإرهاب.

3. إضعاف المجتمعات الإسلامية، وتهديد أمنها ووحدتها، وتفتيت نسيجها الاجتماعي، وإعطاء الذريعة للمتربصين للتدخل في شؤونها، واستنزاف قواها وثرواتها.

4. المشاريع الطائفية، التي تذكي العداوة بين المسلمين، بما يدفع مجتمعاتهم ودولهم إلى الفتن والاقتتال الطائفي الذي يفتت المجتمع ، ويبعده عن تحقيق المصالح العليا للأمة المسلمة.

ثالثاً : العلماء والمؤسسات الإسلامية:

- العناية بمكانة العلماء ودورهم المرجعي في توجيه الأمة، وتشجيع الفتوى الجماعية في النوازل والشأن العام للأمة، ووضع الضوابط الشرعية التي تنظم الفتوى، وتراعي متغيرات الواقع، وتحد من تأثير الفتاوى الشاذة.

- العمل على ترسيخ القيم الإنسانية السامية، والاهتمام بنشر الثقافة الإسلامية، وتوجيه الخطاب الدعوي إلى فتح آفاق الأمل والتفاؤل، وتبديد روح اليأس والتشاؤم، وتنمية معاني الألفة والوفاق، وإبراز مساوئ المنافرة والتدابر، وتقويم الخلل بحكمة ووسطية واعتدال.

- التعريف بالإسلام، ومنح جوائز للأعمال المتميزة في هذا الصدد، وإقامة المعارض والمهرجانات والمسابقات التي تبرز جوانب الرحمة والإنسانية في الإسلام، وتذبُّ عنه.

- تشجيع الأقليات المسلمة في الغرب على تحقيق الانتماء الوطني والحفاظ على الهوية الدينية, وترسيخ التعايش السلمي والإيجابي مع المكونات الثقافية الأخرى، وتعزيز المواطنة الإيجابية، والمواءمة بين متطلباتها وواجباتها، والاندماج في مجتمعاتهم، والمشاركة في تنميتها، مع الحفاظ على الأسس الدينية والخلقية التي جاء بها الإسلام.

- المشاركة المؤثرة في وسائل الإعلام، وبخاصة وسائل التواصل الاجتماعي, واستثمارها في التواصل مع الشباب ونشر الوعي بينهم، وتشجيعهم على الاستفادة من طاقاتهم في التعريف بالإسلام ونشر قيمه وتصحيح الصور المغلوطة عنه، والتصدي لظاهرة التخويف من الإسلام والمسلمين.

- الانفتاح على الشباب، وتقديم القدوة الصالحة لهم، ومعالجة قضاياهم بالحوار، وإشراكهم في حل قضايا مجتمعهم، والاستماع إلى آرائهم، وتصويب مفاهيمهم الخاطئة بالعلم الصحيح، وتعميق الوعي بمصالح الأمة وما لحقها من ضرر بالغ بسبب التصرفات الطائشة.

- تشجيع البحوث والدراسات المتعلقة بالإسلام وثقافته وحضارته, وتكثيف الدورات العلمية في التخصصات الشرعية للحفاظ على هوية شباب المسلمين في بلاد الأقليات المسلمة, وصونهم من أفكار التيارات الفكرية والعقدية المتطرفة, وتنمية مداركهم العلمية والمعرفية.

- وضع خطة استراتيجية متكاملة لتحقيق الأمن الفكري ووقاية الشباب المسلم من أحابيل الإرهاب، ووضع برامج شاملة تستوعب شبهات الجماعات المتطرفة، وتعالج الأسباب المفضية إلى هذا الانحراف، وتستفيد من تجارب الدول والمنظمات الإسلامية في التصدي لهذه الظاهرة.

- وضع البرامج والمناشط الهادفة للشباب, والتي تحفظ عليهم أوقاتهم وتستثمر طاقاتهم, وتعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالنفع والخير, وتحصنهم من الأفكار الضالة.

- التعاون بين المؤسسات الرسمية والشعبية في تحقيق الأمن المجتمعي، وتوفير رعاية كافية للفقراء والضعفاء، والاستفادة من مناشط المساجد والمدارس الإسلامية في التوجيه والإرشاد وفق مبادئ التربية الإسلامية الصحيحة، ومعالجة الظواهر المتطرفة.

- مواجهة ظواهر التفكك والعنف الأسري، واستعادة دور الأسرة في التربية والتوجيه وتعزيز الوعي بين الأبناء بقيم التسامح والعدالة والسلام، وتحريم الظلم، ونبذ العنف، وحرمة الدماء، وتوفير المناخ النفسي الملائم للتنشئة السليمة.

وقد قرر المؤتمر تكوين لجنة متابعة من رابطة مسلمي الألزاس وغيرها من المراكز والجمعيات الإسلامية في فرنسا؛ ورابطة العالم الإسلامي؛ لمتابعة تنفيذ ما صدر عن المؤتمر, ووضع الخطط والبرامج التنفيذية التي تتطلب ذلك.

وفي الختام أشاد المشاركون بجهود المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله؛ في محاربةِ الفكر الضال والمنحرف, والعملِ على نشرِ السلام والأمن في العالم، وحرصها على جمع كلمة المسلمين, وخدمتها للحرمين الشريفين, والحجاج والمعتمرين.

وشكر المشاركون في المؤتمر المسؤولين في جمهورية فرنسا؛ والسلطات في ستراسبورغ على تعاونهم وتسهيل عقد هذا المؤتمر.

كما شكروا رابطة مسلمي الألزاس برئاسة سعادة الدكتور محفوظ زاوي؛ جهودها وتعاونها مع رابطة العالم الإسلامي في تنظيم هذا المؤتمر.

وقدّروا الجهودَ التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي بأمانة الأمين العام لها معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي في الاهتمام بقضايا الأقليات المسلمة وما يتعلق بالشأن الإسلامي العام.

وصلى الله وسلم وبارك على نبيـنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.