نظمت جمعية الشؤون الدولية يوم الثُلاثاء 31/ تشرين أول / 2017 ندوة سياسية بعنوان "مئوية وعد بلفور والقضية الفلسطينية.. رؤية مُستقبلية"، استضافت فيها كل من معالي الأستاذ عدنان أبو عودة رئيس الديوان الملكي الأسبق، و معالي الدكتور مروان المعشر وزير الخارجية الأسبق، ومعالي الأستاذ طاهر العدوان وزير الإعلام الأسبق، والمؤرخ الأستاذ الدكتور علي محافظة حيث قدّم المُنتدون طُروحاتٍ ومقارباتٍ على شكل استعراض مُتكاملٍ للقضية الفلسطينية من جوانبها التاريخية وامتداداتها وتطوّراتها ومراحلها والرؤية السياسية التحليلية لها في ضوء التحديات والمُستجدات المُستقبلية.
وقال معالي الدكتور عزت جرادات الذي أدار الندوة: تأتي أهمية انعقاد ندوة اليوم من أهمية موضوعها وهو القضية الفلسطينية التي تُعدُّ قضية الأُمةِ الأولى، خاصة في ضوء تبعاتِ التعنُتِ الإسرائيلي، وفرض يهودية الدولة، وفَشل اللجنة الدولية الرُباعية، وإيفاد فريق ترامب إلى المنطقة لتحقيقِ ما يُسمى "بصفقة العصر"؛ لذا يجب أن يتم رفع القضية الفلسطينية إلى أعلى سُلَّمِ الأولويات العربية في ظل تزامن الموضوع مع ذكرى مئوية وعد بلفور المشئوم حيثُ أنه من المؤلم أن بريطانيا تحتفل بافتخارٍ بوعد بلفور وإقامة دولة بني إسرائيل، فيما تبرز بعض الحَملات التي بدأت تظهر لتعريف الشعب البريطاني بآثار هذا الوعد وسلبياته بهدف تحميل الحكومة البريطانية مسؤولياتها الأخلاقية.
وبدأت الندوة أولى محاورها مع المؤرخ الأستاذ الدكتور علي محافظة:
وتناول الدكتور محافظة موضوع "وعد بلفور" من زواياه التاريخية ونشأته ومحطاته منوهاً إلى أنه وفي مثل هذا اليوم قبل مئة عام وبتاريخ 31/10/1917 اتخذت بريطانيا قرار وعد بلفور بريطانيا تعطف على اليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ولا تلتزم بذلك، مُتناولاً بالسرد كيف جاءت فكرة تهجير اليهود من أوروبا إلى فلسطين كفكرة ذات دوافع دينية "مسيحية أوروبية" تتمثل بالإيمان بعودة السيد المسيح عليه السلام، في آخر الزمان لتحقيق الخلاص، ولكي يتم هذا الأمر لا بُدّ من عودة اليهود، وكان الهدفُ من الوعد هو التخلص من الأقليات اليهودية التي كانت تُنافس السكان الأصليين في المجالات الاقتصادية وتعيشُ بانعزال في أحياء كانت تعرف بــــ"الجيتو".
وأضاف محافظة لقد كتب رجل الدين المسيحي "توماس برايت" في هذا الشأن بأن:"الشعب البريطاني يدعم عودة اليهود إلى فلسطين حتى يُمكن أن يُعجّل ذلك من وقوع سلسلة الأحداث المُتنبأ بها والتي تبلغُ ذروتها بعودة السيد المسيح عليه السلام".
وأردفَ محافظة بأن اللاهوتي هنري اولدنبورج قد كتب أيضا: "يجب توفير الفرصة لكي يُنشئ اليهود إمبراطوريتهم، وقد يختارهم اللهُ مُجدداً" حيث كان العداء للسامية وراء مثل هذه الأقوال، كما قال عدد من البروتستانت المطهريين:" إن الأمة الانجليزية من سُكان الأراضي المُنخفضة يجب عليها أن تنقل أبناء إسرائيل وبناتها على سُفنها إلى أرضهم الموعودة ليصبح إرثاً لهم".
وقد تطورت هذه الأفعال إلى أهداف استعمارية خلال الفترة 1918-1920 من خلال تمويل اليهود لحملة نابليون بونابرت لاحتلال مصر ومن ثم الدعوة لتجميع اليهود في فلسطين، وقد قامت الفكرة الصهيونية على قاعدة "فلسطين أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض" وهي فكرة عنصرية استعمارية بحتة.
وقد دعت العديد من الشخصيات البريطانية لتوطين اليهود ومنهم هنري تشرشل، ولورنس اليفر، ووليم هرتسل، فيما تم تكليف لجنة لدراسة آثار وتاريخ وجيولوجيا فلسطين برعاية ملكية بريطانية من خلال سلاح الهندسة الملكي البريطاني.
فيما جاءت أمريكا بعد ذلك لتُنافس بريطانيا في رعاية اليهود وتوطينهم ودعمهم، وانعقد المؤتمر الصهيوني الأول في العام 1897 كأول المشاريع لتهجير اليهود إلى عدد من الأماكن المُقترحة منها: العريش وشبه جزيرة سيناء والصحراء الغربية في مصر أو أوغندا، أو زائير، أو كينيا أو العراق، أو البقاع اللبناني أو أضنة، ولكن لم يكتب لهذه المقترحات النجاح، فيما كانت بداية الهجرات اليهودية خلال الفترة (1832- 1904)، من خلال أول مؤسسة تدعو إلى الهجرة وهي "جمعية أحباء صهيون"، وقد توجه النشاط الدبلوماسي الصهيوني في البداية إلى ألمانيا بحثاً عن مظلة تحمي اليهود وقد بذل ثيودور هرتسل جهوداً عالية لدعم اليهود ولكنها باءت بالفشل، وقد اتخذت هذه الأهداف أنشطة متنوعة من أمثلتها التركيز على المسؤولين الرجال في الدول لكسب تأييدهم وتعاضدهم، وشراء الناس بالأساليب غير الأخلاقية.
وقد لعب اليهودي حاييم وايزمان أستاذ الكيمياء العضوية في جامعة مانشيستر الدور الأهم في استصدار وعد بلفور حيث طور طريقة متقدمة في إنتاج مواد مُتفجرة تساعد في تصنيع الأسلحة وأعطى بريطانيا تركيبتها لتستخدمها في الحرب العالمية الأولى مما زاد من اهتمام بريطانيا به ووصوله إلى مناصب عليا في الدولة وظفها للصالح اليهودي، فيما برز دور روتشيلد كعضو في مجلس اللوردات البريطاني صاحب النفوذ، والذي أقرض بريطانيا أموالا في الحرب العالمية، مستصدرًا في نهاية المطاف تصريحاً والتزاماً بريطانيا بقيام الوطن القومي لليهود.
معالي الأستاذ عدنان أبو عودة
من جانبه قدم معالي الأستاذ عدنان أبو عودة رئيس الديوان الملكي الأسبق مُقاربة تحليلية وسياسية، وقف من خلالها على أبرز المحطات التي أثرّت في القضية الفلسطينية حتى يومنا هذا قائلاً: "إن القضية الفلسطينية لم تعد في سُلّم الأولويات سواءً على المستوى العربي أو العالمي إذ تقف الأمم المتحدة شبه عاجزة عن إيجاد الحلول لها، فيما يقف كل من الشعبين الأردني الفلسطيني حائرين قلقين نحو تيقُّنهم من أن الوطن العربي يمرُ بحالةِ من إعادة التشكيل التي يقومُ به الغُرباء، فيما يُشبه الحالة التي شكلت العالم العربي في نهاية العهد العثماني".
وأضاف أنّ وعد بلفور بذرة سامة تمت زراعتها في جسد الوطن العربي في فلسطين كونها الحلقة التي تصل آسيا بإفريقيا العربية، واستصدرت بعد الحرب العالمية صك الانتداب على فلسطين لرعاية تلك البذرة التي زرعت في تربة غريبة عنها لتشارك في امتصاص التربة العربية بهدف إضعاف محيطها والسيطرة عليه، منوّها إلى أن المُنتصر في الحرب يكَسب غنائمها وهكذا تقاسم الغرب الوطن العربي وسيطروا على مُقدرّاته.
وأكد أبو عودة على أن الوعي بخطورة "وعد بلفور" كان مبكراً، ولكنه كان في بدايته وعياً دينيا فبعض الُمسلمين تنبهوا له مبكراً ثم تنبه له الفلسطينيين وطنياً، ثم قومياً من خلال العرب المسيحيين في فلسطين وسوريا، فيما برز الوعي الوطني من خلال الثورات والمظاهرات في فلسطين بدعم شعبي من الأردن وسوريا وبجهود من الناس وليس من قبل جهات رسمية.
ونوه أبو عودة إلى أن "وعد بلفور" قد أخذ شرعيته الدولية من الأمم المتحدة، وأصبح مشكلة دولية في العام 1949، فيما تطور الوعي الوطني ليصبح قضية قومية تمثّل في الجامعة العربية باتخاذ قرار رفض التقسيم إبان دخول العرب في حروب متعددة خسرت عددا منها، فيما تحولت القضية إلى قضية لاجئين وتشكيل وكالة الغوث مما قزّم البعد القومي للقضية الفلسطينية، ثم أعاد الرئيس عبد الناصر للقضية بُعدها القومي مُجدداً، ثم في حرب 1967 والتي خسرت بها ثلاث دول عربية جزءًاٍ من أراضيها تحوّلت القضية إلى مشكلة دولية، فيما دشنت حرب أكتوبر حِقبة جديدة على صعيد القضية الفلسطينية فحلّت الولايات المتحدة الأمريكية لاعباً جديداً محل الأمم المتحدة، لتطبيق قرار مجلس الأمن مُخرِجةً القضية إلى إطار التفاهُمات والوساطات، تلا ذلك مرحلة الرئيس السادات والذي منحت حقبتُه إسرائيل ما تحتاجه من وقت لتجهيز أراضيها والسيطرة على أراضي أكثر في فلسطين وإحلال اليهود محل العرب في العام 1974، وهو تاريخ التحول بسياسة أمريكا كوسيط محل الأمم المتحدة، من خلال "كيسنج" ، مؤكداً أبو عودة بأن هذا أكبر خطأ ارتكبته الدول العربية إن لم يكن أكبر خدعة انطلت على هذه الدول، حيث أمّنت لإسرائيل ما تحتاجُه مِن وقتٍ لفَرضِ واقعٍ جديدٍ على الأرض تُحققُ فيه أهدافها الاستراتيجية.
ونوّه أبو عودة إلى أن الصهيونية تقوم على ركيزتين: هُما السيطرة على كامل أراضي فلسطين وتغيير الواقع الديمُغرافي عبر إحلال اليهود مكان الفلسطينيين، مُتناولاً بالسرد كيف تحولت القضية الفِلسطينية إلى قضية وطنية مسؤولة عنها منظمة التحرير الفلسطينية كمُراقب وممثل شرعي ووحيد بعد أن كانت قضية عربية وقومية، فيما حَول القرار العربي في الرباط الأرض الفلسطينية إلى أرض مُتنازع عليها، وبرزت سياسة الانفراد في العام 1979 وكان الشعار العربي في تلك الفترة هو "يَقبل العرب بما تقبل به مُنظمة التحرير الفلسطينية" مما أذِن بتحول فلسطين إلى قضية قُطرية.
وعاد أبو عودة ليؤكد خطورة لعبة شراء الوقت في تلك المرحلة من خلال الدور الذي لعبته أمريكا عبر "كيسنجر" فيما كان الأردن يعي خطورة تلك المسألة على مستقبله، وكان قلقاً من تطورات الوضع في فلسطين حيث أنه كان يدرك أن بناء مستوطنات على الأرض الفلسطينية يعني إخراج السكان الفلسطينيين نحو الأردن.
وأشار أبو عودة إلى تكليفه من قبل الملك الراحل الحسين بن طلال -رحمه الله - كمبعوث لأمريكا لاستيضاح قصة إعلان بوش في العام 1991 عن انعقاد المؤتمر الدولي حول القضية الفلسطينية فكان أن قابل "جيمس بيكر" مستفسراً منه عن الأسباب الجوهرية للمؤتمر وغاياته، إذ كان بيكر يستخدم أساليب المراوغة واللف والدوران والتحدث حول أمور إجرائية للمؤتمر دون تحديد الغاية منه، وبعد إصرار من أبو عودة لمعرفة جوهر المؤتمر قال له بيكر: "أنا كممثل لأمريكا أقول لك إنه لن يكون هناك دولة فلسطينية، بل في أحسن الأحوال سيكون كيانا فلسطينيا أقل من دولة وأعلى من حكم ذاتي".
وأشار أبو عودة إلى تحول التركيز في القضية الفلسطينية بعد أحداث لبنان إلى التركيز على مُنظمة التحرير التي انشغلت هي الأخرى بالعمل الدبلوماسي لتُصبح القضية وطنية يترك للمنظمة أمر ترتيبها.
وأشار أبو عودة إلى المساعي الأردنية الجادة في تلك الفترة التي عملت حثيثاً للمّ الشمل العربي: كمصالحة صدام بحافظ الأسد، وإعادة مصر إلى الحُضن العربي، وتشكيل وفد أردني فلسطيني للتوجه لدول الفيتو، حيث طالبت أمريكا مُنظمة التحرير بقبول قرار الأمم المتحدة، ثم ما لبثت الانتفاضة الأولى أن اشتعلت في العام 1987 لتُصبح القضية الفلسطينية قضية وطنية خالصة.
ولفت أبو عودة إلى انقسام الصف الفلسطيني والتنازُع الذي حدث بين فتح وحماس مشيرا إلى مؤتمر القمة ببيروت، ثم فشل حدوث أي تقدم زمن أوباما فيما انتهت الجهود الأمريكية بتقديم نصيحة لإسرائيل فحواها: "إسرائيل لا تستطيع أن تكون يهودية وديمقراطية في ذات الوقت".
وأشار أبو عوده إلى الخطأ العربي الكبير الذي مكن أمريكا أن تكون الحَكم في القضية الفلسطينية و(الخصم) بذات الوقت، مذكراً بما فعلته أمريكا لإسرائيل من الانسحاب في عهد الرئيس ترامب من الأوسكوا، بعد أن قبلت بعضوية فلسطين فيها، وتهديدها للأمين العام الجديد للأمم المتحدة بوقف الدعم عن الأمم المتحدة حال عدم سحبها للتقرير الصادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) الذي يرى أن إسرائيل هي دولة فصل عنصري (أبرتايد)، وقد أدى هذا التقرير إلى استقالة الأمينة العامة التنفيذية للجنة ريما خلف بعد ضغوط كبيرة عليها لسحبه.
ولفت في ختام جلسته إلى تفتح زهرة أمل خارج الحديقة مُمثلة بحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) وهي حركة فلسطينية ذات امتداد عالمي تسعى لتحقيق الحرية والعدالة والمساواة وتعمل من أجل حماية حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف حيث تفاجأت إسرائيل بهذه الحركة وبدأ اللوبي الصهيوني بمقاومتها ومناهضتها في جميع دول العالم والتضييق عليها من خلال القوانين والأنظمة المتعامل بها في الدول.
معالي الأستاذ طاهر العدوان
وتحدث معالي الأستاذ طاهر العدوان عن تصوّر مُستقبل القضية الفلسطينية حيثُ بدأ حديثه بالقول أن الحديث عن مستقبل هذه القضية التي طال عمرها مائة عام لا يُمكن أن يكون إلا عبر العودة إلى بوابة التاريخ لفَهم مُجريات المُستقبل لافتاً إلى أنه قد عاد للاستزادة من بعض المصادر حول مئوية سايكس بيكو التي تزامنت في العام الماضي 2016، ولدى بحثه عن الجديد كانت المفاجئة وذلك بسبب أن الخريطة التي وضعت في ذلك الحين للهلال الخصيب مُختلفة عن تلك التي يتم تداولها .
وقال العدوان إن فلسطين ليست هي الخريطة التي نعرفها اليوم، ففلسطين هي الخط الذي يمتد من غزة إلى شمال البحر الميت إلى منطقة صور جنوب لبنان وكتب عنها أنها تخضع للإدارة الدولية، فيما أن المنطقة الثانية تشمُل النقب لعمان امتدادا لدجلة والفرات وكركوك حتى حدود إيران تُحكّم بحاكم عربي تحت إشراف بريطاني، فيما يُترك من الفُرات للكويت إلى بغداد وشط العرب للحكم البريطاني.
لافتا إلى "دوامة صناعة الخرائط" إذ إن هناك محاولة لرسم خريطة للمنطقة العربية وتقسيمها لإحلال الهوية اليهودية حيث أن تغوّل اليمين الإسرائيلي أعاد فكرة يهودية الدولة، ويعاد اليوم رسم خريطة المنطقة لقوميات جديدة على أُسس مُختلفة من أجل إسرائيل كما جاء في سايكس بيكو التي سَبقت الوعد بِسنة، فالقضية لا تزال تدور في دائرة واحدة وهي تقسيم العرب حتى تكون إسرائيل في بلاد الشام والهِلال الخصيب هي الدولة الأقوى في المنطقة.
وأكد العدوان أننا أمام خَطر كبير حيث أننا ننسى القضية الأساسية، وهي وجود مجموعات استعمارية مُهاجرة إقصائية وإحلالية تريد إخراج الشعب الفلسطيني من وطنه، وهذا النوع من أخطر أنواع الاحتلالات في التاريخ، مضيفا أن هناك أخطاء فادحة خلال المئة سنة سواءً في الاصطلاحات والنهج وتشويه الصورة العامة الفلسطينية فهذا غزو استعماري يستهدف الشعب.
وشدّد على أن الشعب الفلسطيني قد قدم التضحيات تلو التضحيات ولكن تم تغييبه وتجاهله فيما يتصدر الزعماء العرب الواجهة، ويعيث الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين فساداً ووحشية وهذا الاحتلال هو احتلال عنصري إقصائي يستبيح الإنسان والأرض وينكل بهما، في حين أن الدور العربي قد توقف عند مسألة الانتظار لما سيفعله ترامب ومن سبقه من الرؤساء.
وأضاف العدوان بأنه مهما تدهورت أوضاع القضية الفلسطينية، فستظل القُنبلة الديموغرافية الفلسطينية هي أخطر على إسرائيل من الجيوش العربية، فيما أن الهدف الرئيسي لإسرائيل هو السيطرة على كُل فلسطين التاريخية بما فيها الضفة الغربية والقُدس والتضييق على الفلسطينيين بشتى السُبل، ومنها الجدار العازل والاستيطان لدفع الشعب الفلسطيني للهجرة أو القبول بشروطها.
لافتاً إلى "صفقة العصر" والتي يقودها ترامب ويعدّها إذ إن ما تسرب عنها هو أن تكون فلسطين موجودة في غزة وسيناء حيث رفض المصريون ذلك، ووضعوا الحق على الفلسطينيين فالهدف من الصفقة في نهاية المطاف هو جعل العرب والفلسطينيين يقولون "لا" مستهدفة إدارة ترامب السيطرة على كل فلسطين تاريخياً وتحقيق السيادة لإسرائيل والحُكم الذاتي لفلسطين مع الأردن.
وعاد العدوان ليؤكد بأنه مهما تدهور الوضع العربي ومهما تمت إدارة الظهر للقضية الفلسطينية فإن أخطر ما يُهدد إسرائيل هو الوجود الفلسطيني في الداخل، وبشهادة أحد حكام منطقة الجليل: "بأن جميع الخطط التي وضعتها إسرائيل لجعل الفلسطينيين كشعب كولومبيا يغطّون في القذارة والحانات والمخدرات، قد فشلت لأن الشخصية الفلسطينية شخصية مُختلفة فهنالك تمسّك عظيم بالعقيدة والعائلة، لذا لم نستطع أن نجعلهم كما أردنا".
ففلسطين هي من أخرجت محمود درويش و توفيق الزيات واستشهد العدوان بمطلع أبيات من قصيدة هنا باقون للشاعر الفلسطيني الزيات :
كأننا عشرون مستحيل.. في الّلد , والرملة , والجليل
هُنا .. على صُدوركم , باقُون كالجِدار
وفي حُلوقِكُم كَقِطعةِ الزُجاج , كالصَبارِ
وفي عُيونِكُم زوبعةٌ من نار... هُنا .. على صُدوركم , باقُون كالجِدار
نَجوعُ .. نَعرى .. نتَحدى.. نُنشِدُ الأشعار
معالي الدكتور مروان المعشر:
من جهته قال معالي الدكتور مروان المعشر في حديثه خلال الندوة على أن مُقاربته ستكون مقاربة بحثية أكثر منها سياسية تعتمد على مسوحات واستطلاعات للرأي ومناقشات مع نُشطاء على الساحة الفلسطينية وهي ليست مع أو ضد أي مُقاربة أخرى، وليست مع فصيل دون آخر، فهدفها استجلاء المشهد الفلسطيني واستبصاره من خلال هذه الاستطلاعات والمسوحات.
وأضاف أنه ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 اعتقد المجتمع الدولي بما فيهم الأردن وفلسطين أن النهاية المنطقية للمفاوضات ستكون بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية بما فيها القُدس الشرقية لكن هذا الحلم بدأ بالتلاشي تدريجياً بعد إخفاق المفاوضات ومجيء حكومات إسرائيلية تُجاهر علناً بعدم تقبلّها بحل الدولتين.
ونوه المعشر إلى أن إسرائيل خلَقت حالة استيطانية وواقعاً جديداً على الأرض، ربما يجعل من قيام دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً ومع ذلك ما زال المُجتمع الدولي يتجاهل ما يجري على الأرض منذ أربعة وعشرين عامًا باعتبار أن حل الدولتين بالنسبة لهذا المجتمع هو الحل الأمثل.
وبيّن المعشر أن هنالكَ واقعاً جديداً ومُقارباتٍ مُستجدّةٍ بدأت بالتشكّل داخل المُجتمع الفلسطيني فيما بدأ يظهر جيل جديد يحمُل فكراً مُختلفا من الضرورة بمكان الاستماع لأرائه ولطروحاته للإسهام في الوصول إلى حل القضية الفلسطينية في ظل وجود رعاية دولية ودعم أمريكي غير مسبوق لخدمة الاحتلال الإسرائيلي وأهدافه التوسعّية في المنطقة.
مضيفاً بان الداخل الفلسطيني بات في تغيّر مختلف عن ذي قبل وثمة حقائق لا يتم الحديث عنها مُطلقاً خاصة بين الجيل الجديد الذي لا يروق له قيام دولة فلسطينية مفصلّة بمقاساتٍ إسرائيلية بمعنى: "دولة منزوعة السلاح، محدودة السيادة، دون القدس الشرقية، ودون غور الأردن، ودون حق العودة".
وأضاف أنه ومع تزايد الشكوك حول قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة لم تعُد هي العنصر الرئيس للحسابات السياسية الموجهة للجيل الفلسطيني الجديد خاصة في ضوء تآكُل كل من فتح وحماس وعجزهما عن طرح رؤى فلسطينية موحدة وطرح رؤية استراتيجية تفصيلية متماسكة، كل ذلك من مسارات ستؤدي حتماً إلى استمرار الاحتلال، الانحلال المؤسسي، واستمرار الاستيطان. وأضاف المعشر أن مقاربته المقدمة في الندوة اعتمدت على مسوحات عبر عينة عشوائية مع (58) شخصية قيادية فلسطينية باحثين، صحفيين، سياسيين، في الضفة وغزّة والشتات، من خلال رصد اتجاهاتهم السياسية والاجتماعية فضلاً عن التقاء نُشطاء فلسطينيين شاركوا في ورشة عمل عقدت في عمان حضرها حوالي (54) مُستجيباً للاستطلاع، وأشار من خلال طرح بعض الأرقام والإحصاءات منها: أن (30%) لا يعتقدون بالوصول إلى حل الدولتين وأن (65%) لا يعتقدون بحل الدولتين مع أنه الخيار المُفضل، فيما أن الأغلب لا يعتقدون بإمكانية الوصول لاستراتيجيات بديلة التي يتم تداولها لكنها لا تحظى بإجماع.
وأضاف المعشر في محور آخر حول المقاربات المبينة على الحقوق وليس على شكل الدولة منها: (خيار المقاومة، والقومية الثُنائية) كذلك الاشتراك بشكل متساوٍ في المواطنة، حيث أن منظمة التحرير الفلسطينية كانت قد اقترحت سابقا هذا الخيار، فيما أعربت بعض الفئات الفلسطينية عن المُصالحة بحل الدولة، وأورد المعشر بأن(34%) من عينة الدراسة تُعارض قيام دولة ثُنائية حيث أن شريحة عريضة من الشباب الفلسطيني يصرّحون بأن منطلقات أوسلو باتت ميتة، فيما أن عددا من الفلسطينيين يعتقدون أن التوجه لخيار حل الدولة الواحدة هو قرارٌ كارثي يُشَرْعِن المستوطنات، ويخاطر بالخيار الدبلوماسي.
وأضاف المعشر أما حول القومية الثُنائية فيدرك الكثير من الفلسطينيين أن الزمن لصالحهم من خلال الرقعة التي تسيطر عليها إسرائيل رجوعا لمُعدلات الولادة والسكان، حيث تتحاشى إسرائيل أي نقل ديمغرافي قد يغير ملامح الدولة .
فيما لا يقبل الجيل الجديد مفاهيم أن مضمون الدولة أهم من شكلها، حيث يريد الجيل حماية قانونية أكثر من خلال الوثائق مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وحركة (BDS)، أو المقاومة، أو المقاومة غير العنيفة، أو العصيان المدني، فيما أن (62%) من الضفة والقطاع يساندون المقاومة السلمية، لأن العنف والمقاومة قد اخفقا في تحقيق الأهداف، أما حركة (BDS) فإنها تتمتع بقبول فلسطيني مع أنها لا تركز على نتائج الحل النهائي، وفي منحى آخر في ذات الدراسة فإن خيار المقاومة المسلحة لا يمكن استبعاده أيضا فالنزعة القتالية تكتسب جاذبية حيث انقسمت العينة بالنصف لتأييد هذا الخيار.
وحول تداعيات كل ذلك على الأردن فيقول المعشر مضى وقت طويل على أوسلو وبدا واضحاً أن مقاربة حل الدولتين استُنفِذت رغم كافة الجهود المُخلصة التي بُذلت على المستويات الأردنية والفلسطينية والإقليمية والعالمية، حيث تُصرح إسرائيل برفضها هذا الحل، فيما أن إدارة ترامب لن تُقدِّم حلاً يتمتع بالحد الأدنى من القبول، وعليه طالب المعشر بإعادة قراءة المشهد أردنياً لأن إسرائيل اليوم ليست من تفاوضنا معها قبل (25) عاماً، إذ يجب على المقاربة الأردنية الذهاب إلى مسألة رفع كلفة الاحتلال، وحول "ماذا بعد؟" يُضيف المعشر على الفلسطينيين إعادة ترتيب البيت الداخلي حيث أن هُنالك حراكاً يُقاد في الداخل الفلسطيني ليس على مستوى القيادات التقليدية وإنما على مستوى النقابات والجماعات الطلابية ومن أطراف فاعلة بسبب الفراغ الذي تركه عجز المؤسسات عن الإيفاء بالتزاماتها نحو المُجتمع المدني، والهوية الفلسطينية ما زالت ثابتة والخلل الذي يكتنف الهياكل النظامية ويؤدي بها إلى الانهيار.