طباعة

أحكام زكاة الفطر

الأحد, 10 حزيران/يونيو 2018 10:50

زكاة الفطر هي: الصدقة أو الزكاة الواجبة بسبب الفطر من رمضان؛ تجب تزكية للنفس، وجبرًا لما قد يقع من الصائم من لغو ونحوه، وغنية للفقراء والمساكين في أيام العيد، وفيها مسائل:

المسألة الأولى: حكم صدقة الفطر.

صدقة الفطر واجبة على كل مسلم مطلقًا أي ذكرًا كان أم أنثى، مكلفًا أم غير مكلف، صام رمضان أم لم يصم، عنده مال فائض عن حاجته وحاجة من يعول في يوم العيد، وهي زكاة على الأشخاص لا علاقة لها بالأموال؛ لذلك تسمى زكاة الرؤوس أو الأبدان؛ ومما يدل على ذلك ما ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنَ المُسْلِمِينَ"([1]).

ويخرجها كل مسلم عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته من الزوجة والأولاد والوالدين أو الإخوة والأخوات ونحوهم.

هل تجب صدقة الفطر عن الجنين؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الجنين في بطن أمه لا يزكى عنه زكاة الفطر، وذهب ابن حزم إلى وجوبها عنه إذا أكمل في بطن أمه أربعة أشهر؛ لدخوله في حكم الصغير المنصوص عليه في الحديث السابق، وقد جمع البعض بين القولين فاعتبر إخراج الزكاة عن الجنين من المستحبات لا من الواجبات.

المسألة الثانية: متى تجب زكاة الفطر؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن زكاة الفطر تجب بالفطر من رمضان أي بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان، وهناك من ذهب إلى وجوبها بطلوع فجر يوم العيد وهم أبو حنيفة وأصحابه، ولا يظهر لهذا لخلاف أثر إلا إذا ولد مولود بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان وقبل طلوع فجر يوم العيد فعند الجمهور لا تجب عليه زكاة، وعند أبي حنيفة عليه زكاة.

المسألة الثالثة: وقت إخراج الزكاة.

مع أن زكاة الفطر تجب بغروب شمس آخر يوم من رمضان أو بطلوع فجر يوم العيد إلا أن الفقهاء سوغوا تقديمها قبل هذا الوقت لمصلحة معتبرة، لكن يجب إخراجها في جميع الأحوال قبل صلاة العيد.

وقد ثبت في الصحيح أن صحابة رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانوا يعطون زكاة الفطر قبل الفطر بيوم أو يومين، وجوز البعض تعجيلها قبل ذلك من بعد نصف الشهر، وجوز الشافعية إخراجها من أول شهر رمضان؛ لأن سبب الصدقة الصوم والفطر عنه، فإذا وجد أحد السببين جاز تعجيلها، وهناك أقوال أخرى.

وهذه السعة الاجتهادية في تعجيل إخراج زكاة الفطر تعطى الجمعيات والمؤسسات فسحة من الوقت لجمع الزكاة قبل يوم العيد بوقت كاف ثم توصيلها للمستحقين لها ومن ثم حسن استفادتهم منها.

أما آخر وقت إخراجها: فقد ذهب الجمهور إلى أنها تؤدى قبل خروج الناس إلى صلاة العيد، ولا تؤخر عن وقت الصلاة، لكن ما حكم من أخرها حتى قضيت الصلاة؟

يرى بعض الفقهاء ومنهم الشافعية جواز إخراجها في أي وقت من أوقات يوم العيد أي حتى غروب شمس يوم العيد؛ وذلك لما رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد- رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "كُنَّا نُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ"([2])، وظاهره صحة الإخراج في اليوم كله، وحملوا التقييد بقبل الصلاة على الاستحباب، ولقوله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَغْنُوهُمْ فِي هَذَا الْيَوْمِ"([3])، واليوم يصدق على جميع النهار، وحكي عن ابن سيرين والنخعي الرخصة في تأخيرها عن يوم العيد.

ومن لم يؤدها حتى خرج جميع وقتها فقد وجبت في ذمته وماله، ولا تسقط بل يجب عليه أداؤها في أي وقت.

والخلاصة أنه ينبغي على المسلم المبادرة بإخراج الزكاة قبل صلاة العيد، لكن لو عرض له عارض منعه من إخراجها في هذا الوقت فليخرجها في الوقت الذي تيسر له، وهو مأجور إن شاء الله خاصة إذا كان له عذر معتبر.

ويظهر مما تقدم عرضه من أحكام التعجيل والتأخير في زكاة الفطر أمور، منها:

يجوز للمؤسسات والجمعيات جمع الزكوات مع أول يوم من رمضان؛ لتتمكن من توصيلها إلى المستحقين لها قبل يوم العيد بوقت كافٍ، ومن ثم حسن الاستفادة منها.
لا وجه للتشدد في منع قبول الزكوات بعد صلاة العيد، فيجوز قبولها في اليوم كله أو بعده ولو قضاء.
تبرأ ذمة المزكي بإخراجها في الوقت المحدد لها شرعًا لكن لو تعذر على الجمعيات توصيلها للمستحقين لها في هذا اليوم؛ لتأخر دفعها للجمعيات والمؤسسات من قبل المزكين والتثبت من المستحقين فلا إشكال وتدفع إليهم في أي وقت.
يجوز للجمعيات والمؤسسات التعجيل بإخراج زكاة الفطر قبل دفع المزكين لها تحصيلًا لمصلحة راجح- كأن تقوم بإرسال الزكاة إلى فقراء ومستحقين في أماكن بعيدة ولو انتظرت حتى تجمع الزكاة في يوم العيد أو قبله بقليل لفاتت المصلحة- ثم تقوم بعد ذلك بجمعها وتسوية الديون.
مقدار الواجب ومم يكون؟

وردت النصوص النبوية بأن زكاة الفطر تخرج صاعًا من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط، وهو ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قال: "فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ"([4])، وعن أبي سعيد الخدري قال: "كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ، فَلَمْ نَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: لَا أُرَى مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ إِلَّا يَعْدِلُ صَاعًا مِنْ هَذَا، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ"([5])

يظهر مما تقدم:

مقدار الواجب من الحبوب ونحوها هو صاع من كافة الأطعمة، وإن كان هناك من ذهب كالحنفية إلى أنه إذا أخرج المزكي زكاته قمحًا فليخرج نصف صاع، والأولى هو الأول.
مقدار الصاع بالوزن هو في الغالب هو 2176جرامًا.
ما وردت به النصوص من أنواع الأطعمة لا يقصد منه الاقتصار عليها فقط، بل المقصود إخراج الزكاة من القوت الغالب في البلد ولو كان من غير ما وردت به النصوص.

المسألة الرابعة: حكم إخراج القيمة.

ذهب الجمهور من الفقهاء إلى عدم جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر؛ تمسكًا بظاهر النصوص الواردة فيها، لكن ذهب الحنفية، وهو مروي عن كثير من السلف منهم عمر بن عبد العزيز، والحسن البصري، وعطاء وغيرهم جواز إخراج القيمة، وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه آثارًا عن جملة من السلف تجوز إخراج القيمة، وترجم للباب بقوله: "في إعطاء الدراهم في زكاة الفطر".

(1) حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، قَالَ: سَمِعْتُ كِتَابَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُقْرَأُ إِلَى عَدِيٍّ بِالْبَصْرَةِ "يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ مِنْ أَعْطِيَّاتِهِمْ، عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ نِصْفُ دِرْهَمٍ"([6]).

(2) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ قُرَّةَ، قَالَ: جَاءَنَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ "نِصْفُ صَاعٍ عَنْ كُلِّ إِنْسَانٍ أَوْ قِيمَتُهُ نِصْفُ دِرْهَمٍ"([7]).

(3) حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: "لَا بَأْسَ أَنْ تُعْطِيَ الدَّرَاهِمَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ"([8]).

(4) حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ زُهَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ، يَقُولُ: "أَدْرَكْتُهُمْ وَهُمْ يُعْطُونَ فِي صَدَقَةِ رَمَضَانَ الدَّرَاهِمَ بِقِيمَةِ الطَّعَامِ"([9]).

ومما يدل على جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر:

أن جماهير الفقهاء نظرت إلى الجانب المقاصدي في الأحاديث التي نصت على إخراج الطعام، فلم يقفوا عند الأصناف المنصوص عليها فقط، بل توسعوا وأوجبوا إخراج القوت الغالب، ومن ثم يجوز إخراج أي طعام ولو كان غير ما نص عليه، وهو ضرب من ضروب الاجتهاد، وإذا قبل هذا الضرب فليقبل غيره.
أن إخراج القيمة قد يتفق مع المقصود في الجملة من وجوب زكاة الفطر، وهو غنية الفقراء والمساكين عن السؤال في هذا اليوم، والغنية تتحقق بالطعام وبالقيمة.
أن إخراج القيمة قد يكون الأيسر للمزكي والأحظ للفقير، وقد لوحظت هذه المقاصد في زكاة المال الواجبة، وليس هناك ما يمنع من ملاحظتها في زكاة الفطر.
المسألة الخامسة: مصارف صدقة الفطر.

أجمع الفقهاء على أن صدقة الفطر تصرف للفقراء والمساكين ممن لا يلزم المزكي الإنفاق عليهم، فلا تصرف لولد ولا لوالد ولا لأخ أو أخت وجبت نفقتهم على المزكي لفقرهم، كما لا يجوز إخراجها لغني أو قادر على الكسب ممتنع عن التكسب.

وهل هي خاصة بالفقراء المسلمين فقط أم لغير المسلمين أيضًا؟

الجمهور على أنها تجب لفقراء المسلمين فقط؛ لأن العيد هو عيد المسلمين فقط، وأن سبب وجوبها الفقر والإسلام. بينما ذهب الحنفية إلى جواز إخراجها لغير المسلمين ممن تربطهم علاقات حسنة وصلات طيبة بالمسلمين؛ لأن سبب وجوبها هو الفقر فقط، وصح عن كثير من التابعين أنهم كانوا يخرجونها لغير المسلمين.

وأرى أنه ليس هناك ما يمنع من إخراجها لغير المسلم غير المعادي إذا كان هناك سعة ووفرة.

لكن هل تفرق صدقة الفطر على غير الفقراء والمساكين من الأصناف الواردة في زكاة المال، كالغارمين، وابن السبيل، وسبيل الله وغيرها؟

الجمهور على أنها لا تصرف لغير الفقراء والمساكين؛ وهذا ما يتفق والمقصد من تشريعها، وإن كان هناك من ذهب إلى جواز إخراجها لبقية الأصناف الثمانية الواردة في زكاة المال لكن في جميع الأحوال يجب تقديم الفقراء والمساكين.

هل يجوز نقلها من مكان إلى مكان؟

الأصل إخراج زكاة الفطر وتوزيعها في بلد المزكي وسد حاجاتهم إلا أن يكون هناك فائض عن الحاجة أو توجد أماكن أكثر حاجة كبعض البلاد التي تشهد كوارث ونكبات فيجوز نقلها بما لا يؤدي إلى ترك فقراء البلد بلا مورد.

 

[1] - سنن الترمذي، أَبْوَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الفِطْرِ، 676

[2] - صحيح البخاري، كِتَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ العِيدِ، 1510

[3] - سنن الدارقطني، كِتَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ، 2133

[4] - مسند أحمد، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب، 5339

[5] - سنن ابن ماجه، أَبْوَابُ الزَّكَاةِ، بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، 1830

[6] - مصنف ابن أبي شيبة، كِتَابُ الزَّكَاةِ، فِي إِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، 10368

[7] - مصنف ابن أبي شيبة، كِتَابُ الزَّكَاةِ، فِي إِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، 10369

[8] - مصنف ابن أبي شيبة، كِتَابُ الزَّكَاةِ، فِي إِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، 10370

[9] - مصنف ابن أبي شيبة، كِتَابُ الزَّكَاةِ، فِي إِعْطَاءِ الدَّرَاهِمِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، 10371