تعيش أقلية الروهينغيا المسلمة وضعاً إنسانيا مأساوياً ادى إلى نزوح أعداد كبيرة من ميانمار باتجاه الحدود مع بنغلاديش, إثر حملة الاضطهاد العنصري التي تعرضوا لها في الآونة الأخيرة, ة استمرار حرمانهم من حقوقهم المدنية والإنسانية, واعتبارهم مهاجرين غير شرعيين, رغم انهم يعيشون هناك منذ قرون بعيدة.
و يعيش اكثر من نصف مليون مسلم من الروهينغيا ظروفاً بالغة الصعوبة, بعدما أُجبِروا على مغادرة مدنهم و قراهم التي أُحرقت, وهو الأمر الذي جعلهم في أمس الحاجة إلى ما يجود به أهل الخير من تبرعات للتخفيف من معاناتهم و تضميد جراحهم.
ورغم الفضاءات المفتوحة و سرعة وصول المعلومات و انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الكرة الارضية قرية صغيرة, مازالت المؤسسات الانسانية تحاول كسر حاجز الصمت المضروب حول المأساه وتقديم بعض احتياجاتهم الإنسانية.
دورياً, يتحول اضطهاد عرقية الروهينغيا غاى اشتباكات مع السكان البوذيين, وبحسب ما أفادت به وكلات الأنباء حديثاً, فقد نزح أكثر من 18 ألفاً من الروهينغيا المسلمين باتجاه الحدود بين ميانمار و بنغلاديش, وهذا الرقم مرشح للارتفاع , لا سيما مع استمرار العنف ضدهم, وكان بعض النازحين مصابين بأعيرة نارية, فيما قُتل نحو ثلاثة آلاف إثر استهدافهم من جانب العصابات البوذية في الأسابيع الأخيرة, في مذبحة متعمدة ضد المسلمين راح ضحيتها العشرات من الأطفال و النساء الروهينغيين.
وكان بعض المسلمين قد حاولوا صد الهجمات ضدهم لحماية انفسهم من المتطرفين البوذيين, في شمال ولاية راخين, وعلى إثر ذلك قامت الحكومة بإجلاء الآلاف من مسلمي الولاية, وهو الرقم الذي قدرته المنظمة الدولية للهجرة بنحو18445 من الروهينغيا و جرى تسجيلهم في بنغلاديش, و معظمهم من النساء و الأطفال.
ونقلت وكلة (رويترز) عن أحد مسلمي الروهينغيا يدعى عبدالله (25 عاماً) ما شهده, وهو يغالب دموعه: ( الوضع مروع للغاية, المنازل تحترق, وكل الناس فرو من منازلهم و الآباء و الأبناء يتفرقون, بعضهم تائه, والبعض الآخر لقى حتفه).
ومن جانبها, اكتفت الامم المتحدة بالتنديد بهجمات المسلحين, وحاولت الضغط على ميانمار لحماية أرواح المدنيين دون تمييز, وناشدت بنغلاديش السماح بدخول الفارين إليها من الهجوم المضاد الذي شنه الجيش.
وتستضيف بنغلاديش بالفعل اكثر من 400 ألف من لاجئي الروهينغيا الذين فروا من ميانمار ذات الغالبية البوذية منذ اوائل التسعينات.
ناشط بورمي يوضح للعالمية تفاصيل ما يجري للمسلمين في بورما
طالب الناشط الروهينغي ومدير قناة آرفيجين العربيّة، عطا نور الإسلام الأراكاني، مجلس الأمن بإرسال قوات حفظ السلام إلى أراكان لحماية شعب الروهينغيا من الإبادة.
وأوضح عطا نورأن الروهينغيا شعب أصيل في ولاية أراكان منذ مئات السنين، والتاريخ يشهد بذلك، معتبراً أن حكومة أونغ سان سوتشي خاضعة كلياً للجيش في ميانمار، وأنها لم تحرّك ساكناً في قضية الروهينغيا.
وأشار إلى أن كثيراً من المراقبين طالما حذّروا من انفجار الأوضاع في أراكان منذ 2012، حيث قاد الجيش مدعوماً من حكومة ميانمار حملة إبادة وتطهير عرقي ضد مسلمي أراكان منذ منتصف 2011 دون توقّف، معتبراً أن المنظمات الدوليّة لم تقدّم ما يغيّر الأحداث في الواقع الروهينغي... وفي ما يلي نص الحوار:
مقاومة المعتدي حق مشروع
* تغيّر خطاب الحكومة البورمية من مظلومية وجرائم إبادة إلى أنها تكافح الإرهاب والعنف.. ما الذي دفع الأراكانيين إلى المواجهة؟
- دائماً يقولون: إن الكبت يولّد الانفجار، وهذا ما كنّا نحذّر منه منذ سنوات، حيث إن الروهينغيا يعيشون من عشرات السنوات تحت القمع والاستعباد والاضطهاد، وزاد هذا القمع منذ 2012م، وهم، أي الروهينغيا، يُقمعون صباح مساء وتقتل أفراد عوائلهم وأسرهم ويختطف شبابهم وتُغتصب نساؤهم، ويعيشون في ظلم واضطهاد لا مثيل له، فلا بد من أن يصل الوضع إلى المواجهة وهذا أمر بديهي.
* وما تقويمكم لموقف المجتمع الدولي مما يجري من جرائم ضد المسلمين؟
- بلا شك المجتمع الدولي غافل ولا يحرّك ساكناً، ولا يملك إلا تصريحات الإدانة والاستنكار، وهذا النوع من التحرّك من المجتمع الدولي لم يجد نفعاً، سواء مع حكومة بورما الفاشية العسكرية في السابق، ولا حتى مع الحكومة المدنية الحالية بقيادة أونغ سان سوتشي، والخاضعة كلياً للجيش في ميانمار.
وللأسف أكثر دول العالم تكتفي بتقديم الإغاثة للروهينغيا في داخل أراكان، والتي لا تصل إلى المحاصرين في الداخل البورمي، أو في مخيمات اللاجئين في بعض الدول المجاورة، بينما المضطهدون الروهينغيون يحتاجون إلى دعم سياسي قوي بتحريك القضية في دهاليز الأمم المتحدة واللجان التابعة لها، للخروج بقرار إلزامي لحكومة ميانمار يلزمها بإعادة الجنسية وكافة حقوق المواطنة كاملة للروهينغيا، وإيقاف الظلم والاضطهاد والإبادة التي يمارسها جيش ميانمار ضدهم حتى الساعة.
* ماذا يجب على الأمم المتحدة اتخاذه من تحركات لكي يتمكن مسلمو الروهينغيا من الحصول على حقوقهم المسلوبة؟
- يجب على الأمم المتحدة إصدار قرار عبر مجلس الأمن بإرسال قوات حماية دولية لإقرار السلام في ولاية أراكان لحماية الروهينغيا من الإبادة التي يتعرّضون لها، فطالما أن حكومة بورما تتعمّد عدم حمايتهم، بل وتشرف على حملات الإبادة بحقّهم، فإنه يجب على المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة، التدخل لحمايتهم، كما نطالب كافة الدول العربية والإسلامية بالضغط على الأمم المتحدة لإرسال قوات حفظ سلام إلى أراكان.
* ما حقيقة الصور والفيديوهات البشعة التي تتحدّث عن مسلمي أراكان؟
- الأوضاع شديدة المأساوية، حيث تهرب العوائل إلى الجبال والغابات في وقت تشهد فيه المنطقة أمطاراً موسمية استوائية وتيارات هوائية باردة.. ومن بين هؤلاء نساء وأطفال وشيوخ، ولا يملكون ماء ولا طعاماً، وقد حصلنا بصفة خاصة على العديد من مقاطع الفيديو والصور التي تبيّن حجم مأساتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، بل إن هذه الصور ومقاطع الفيديو هي دون حجم المأساة بكثير.
* وما عدد ضحايا الاعتداءات الأخيرة، ومنذ موجة التطهير العرقي التي بدأت في أكتوبر الماضي؟
- في الأسبوع الأخير هناك أكثر من 3 آلاف شهيد، كما تذكر بعض الإحصائيات، وتم تهجير أكثر من 50 ألف شخص، وهم الآن في الجبال والغابات أو في المنطقة الحدودية بين بورما وبنغلاديش، علاوة على أن عشرات القرى تم إحراقها بالكامل. ومنذ أكتوبر 2016 تم إحصاء عشرات الآلاف من الشهداء، وآلاف النساء تعرّضن للاغتصاب، وتم تهجير أكثر من مائتي ألف شخص إلى خارج قراهم وبيوتهم.
* وهل لديكم سجل بموجات الإبادة والتطهير العرقي التي تعرّض لها المسلمون؟
- نعم لدينا مركز متخصص يُعنى بحصر الوثائق وتدوين الأحداث يسمّى مركز الدراسات والتنمية الروهينغية، حيث يملك المركز سجلات إحصائية عديدة، ومن بينها سجل أبرز الأحداث التي مرت ضد الروهينغيا في أراكان منذ عام 1942م، أيضاً إحصاء عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت ضد شعبنا ما بين 1942م و1980م.
ومن أوجه الانتهاكات التي تعرض لها المسلمون تدمير 895 قرية، وتشريد أكثر من 700 ألف، وإحراق أكثر من 7000 موقع وقرية وإغلاق أبواب الوظائف في وجه أكثر من 170 ألف عاطل، وهتك أعراض أكثر من 2000 امرأة وقتل أكثر من 5500 مسلم، واعتقال أكثر من 4 آلاف مسلم من غير جريمة ولا محاكمة، وتدمير أكثر من 900 مسجد ومدرسة.
وإحراق أكثر من 250 ألف مصحف وكتاب ديني ومصادرة الأراضي الوقفية والخاصة والأراضي الزراعية والأملاك وطرد أكثر من 10 آلاف مسلم من وظائفهم، وفقد أكثر من 25 ألف وموت أكثر من 25 ألف جوعاً.
وفي عام 1942 قتل أكثر من مائة ألف روهينغي، وتصاعدت الانتهاكات وتهجير الروهينغيا من بيوتهم وقراهم في عام 1962 وشرّد حوالي 300 ألف مسلم، حيث تم طردهم إلى بنغلاديش وعام 1978م تم تهجير حوالي نصف مليون إلى خارج البلاد، وعام 1988 تم تهجير حوالي 150 ألفاً لإخلاء مساحة لبناء قرى للبوذيين، وعام 1991م تم تهجير حوالي نصف مليون، هذا بالإضافة إلى هجرة عشرات الآلاف منذ أحداث عام 2012، وأحداث أكتوبر 2016 وحتى الآن.
* متى بدأت أزمة المسلمين في أراكان؟ وهل هناك خلفيّة تاريخيّة لمسلسل التنكيل بالمسلمين منذ سيطرة ملك البورما على ولاية أراكان المسلمة في القرن التاسع عشر، وحتى اليوم؟
- الروهينغيا هم السكان الأصليون لمنطقة تسمّى أراكان، وكانت مملكة إسلامية مستقلة وصلها الإسلام في عهد الخليفة هارون الرشيد عام 788م، وحكمها 48 ملكاً مسلماً. وهناك آثار إسلامية تثبت حكم الروهينغيا الإسلامي لأراكان في الفترة ما بين 1430م إلى 1784م.
ثم في عام 1784م تم احتلال مملكة أراكان من قبل دولة بورما المجاورة، وصارت أراكان من ذلك التاريخ ولاية تابعة لبورما. وكان الروهينغيا ، حتى بعد احتلال بورما، مواطنين يتمتعون بكامل حقوق المواطنة مع وجود اضطهاد ضدهم لكونهم مسلمين، حتى وقع الانقلاب العسكري عام 1962م فساءت حالة الروهينغيا إلى عام 1982م حيث تم إصدار قانون بنزع جنسياتهم واعتبارهم مهاجرين قدموا من بنغلاديش.
وفي أعقاب ذلك تصاعدت الانتهاكات والتهجير القسري بحق الروهينغيا إلى خارج بورما، وتشريد مئات الآلاف داخل بورما.
وفي يونيو 2012، بدأت سلسلة مذابح جديدة ضد الروهينغيا، واندلعت الشرارة بمقتل عشرة دعاة بورميين قدموا إلى أراكان لتعليم الناس أحكام الدين، وأثناء عودتهم إلى العاصمة يانغون اعترضت عصابة بوذية الحافلة التي كانت تقلهم، فتم قتلهم جميعاً والتمثيل بجثثهم قبل إلقاء جثثهم على قارعة الطريق. وكانت تلك بمثابة اشتعال شرارة قتل وإبادة المسلمين مجددا.ً
الأمم المتحدة
* ما دور المنظمات المعنية بالقضية الروهينغية من أبنائها في الخارج إلى جانب المجتمع الدولي؟
- المنظمات الروهينغية تحاول إيصال الصوت الشعب الروهينغي إلى العالم، وتحريك المجتمع الدولي لاتخاذ مواقف صارمة، رغم النقص الذي لدى تلك المنظمات سواء في جانب المال أو التسهيلات النظامية أو المساندة الإعلامية.
وأما المنظمات الدولية فإنها لم تقدّم ما يغيّر الأحداث في الواقع الروهينغي، وهي وإن أصدرت العديد من بيانات الإدانة والاستنكار، إلا أنها لم تقم بخطوات عملية تجبر حكومة ميانمار على إرجاع حقوق الروهينغيا، ولم تتخذ إجراءات وتدابير عملية لمنع وقوع المجازر في أراكان. وكان من المفترض إرسال قوات حماية دولية إلى أراكان، طالما أن هناك مجازر ترتكب بحق الروهينغيا وهذا الذي نطالب به منذ مدة.
* ما أهم النقاط التي تناولها التقرير الأممي الذي سلّمه عنان لسانسوكي وما توصيات عنان؟
- أبرز ما جاء في تقرير لجنة كوفي عنان، والتي شكّلتها حكومة بورما الحالية، وهي لجنة استشارية مكوّنة من تسعة أعضاء: المطالبة بإعادة الحقوق المسلوبة من الروهينغيا، وعلى رأسها إعادة حق المواطنة، والاعتراف بالروهينغيا كعرقية أصيلة في البلاد، والمطالبة بعدم استخدام "القوة المفرطة" من قبل جيش ميانمار، ومنع الانتهاكات المروّعة التي طالت الروهينغيا، كما طالبت اللجنة بفتح حدود أراكان أمام المنظمات الإغاثية، والسماح لوسائل الإعلام الدولية للعمل في داخل أراكان. كما طالبت أيضاً برفع القيود عن حركة المواطنين من الروهينغيا داخل بلدهم ميانمار، وطالبت كذاك بإعادة النظر في قانون الجنسية لعام 1982 بما يتماشى مع "المعايير والمعاهدات الدولية"، في إشارة إلى ضرورة وقف العمل بقانون سحب مواطنة الروهينغيا.
* ما هو دور أونغ سان سوتشي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في الدفاع عن حقوق الإنسان الأراكاني؟
- "أونغ سان سوتشي" مستشارة الدولة ووزيرة خارجيتها، وفازت بجائزة نوبل للسلام عام 1991م، لكنها لم تحرّك في أرض الواقع الروهينغي شيئاً، ولم تلتفت لاضطهاد المسلمين في ميانمار، بل وحتى خلال حملتها الانتخابية لم تشر إلى معاناة أبناء أراكان، بل أنكرت وجود عرقيّة اسمها الروهينغيا في بورما بدلاً من الانتصار لمظلوميتهم.