طباعة

إنها السنن

الثلاثاء, 07 آذار/مارس 2017 13:01

• عن أبي واقِدٍ الليثيِّ قالَ: خرجْنَا مَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حُنَيْنٍ، ونحن حدثاءُ عهد بكفر، وللمشركين سِدْرَةٌ يعْكُفُونَ عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذاتُ أنْواطٍ، فمرَرْنَا بِسِدْرَةٍ فقُلنا: يا رسولَ الله، اجْعَل لنا ذاتَ أنْواطٍ كما لهم ذاتُ أنْواطٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الله أكْبَرُ! إنها السننُ! قلتم - والذي نفسي بيده - كَمَا قَالتْ بَنُو إسْرائيلَ لموسى: ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ﴾ [الأعراف: 138]، لترْكَبُنَّ سَنَنَ مَن كان قبْلَكُمْ))؛ رواه الترمذي وصححه.

• أوجد الله عز وجل في الكون والإنسان والحياة سننًا ونواميسَ تعدُّ بمنزلة القوانين العامة، والطرائق الموجِّهة للحركة والسكون، والخلق والأمر، والقضاء والقدر، والغيب والشهادة، والدنيا والآخرة.

• تتصف السنن الإلهية بعددٍ من الخصائص والسمات، من أبرزها:

١ - الثبات والاستمرار: قال تعالى: ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43].

٢ - العموم والشمول: قال سبحانه: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ [محمد: 10].

٣ - التنوع والتعدُّد: قال جل وعلا: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾ [فصلت: 53].

٤ - القطع واليقين: قال تعالى: ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 103].

٥ - العلة والسببية: قال سبحانه: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5].

• يعدُّ الوحي - الكتاب والسنة - هو المصدرَ الموثوق، والمرجع الواضح، والمنبع الصافيَ لبيان السُّنن الإلهية، وعرضها وتحليلها ووصفها، الخاصة منها والعامة، الماضية والمستقبلة، الغيبيَّة والمشاهَدة.

• أشارت النصوص الشرعية إلى جملة من السنن والنواميس الشاملة والعامة، الفطريةِ والكونية، الفردية والاجتماعية، الزمانية والمكانية، في الجوانب كافة وجميع الأحوال، وبأدق التفصيلات، وبأيسر العبارات؛ لتكون منهجًا للفكر، وموجِّهًا للسلوك، ومفسرًا للأحداث، وكاشفًا للواقع، ومستشرفًا للمستقبل، وعبرة للأفراد، وهداية للمجتمعات، نجملها في الآتي:

١ - سنة التغيير للأفراد والمجتمعات: قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11].

٢ - سنة المداولة بين الأحوال والأوضاع (الفقر والغنى، الذل والعز، الفرح والترح، النصر والهزيمة... ): قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140].

٣ - سنة التدافع بين الحق والباطل، والخير والشر، والصلاح والفساد: قال تعالى: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251].

٤ - سنة التمييز بين الأقوال والأفعال، والأشخاص والصفوف: قال تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179].

٥ - سنة الخيبة والفشل في الهيئات والمؤسسات والجماعات، والسلم والحرب: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ﴾ [الأنفال: 46].

٦ - سنة القوة والإعداد العلمي والعملي للأفراد والمجتمعات، والدول والأمم والحضارات: قال تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ [الأنفال: 60].

٧ - سنة الابتلاء بالمصائب والأقدار الخاصة والعامة: قال تعالى: ﴿ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4].

٨ - سنة الخير والبركة والزيادة والنماء للأفراد والمجتمعات: قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96].

٩ - سنة الجزاء والعقوبة: قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7 - 8].

١٠ - سنة النصر والغلبة: قال تعالى: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

١١ - سنة الصَّدِّ والمواجهة والعداء والمعارضةِ للخير والنفع والدعوة والإصلاح: قال تعالى على لسان إبليس: ﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17].

١٢ - سنة الدمار والهلاك (المادي، النفسي، الأخلاقي، الاجتماعي) للأمم والمجتمعات: قال تعالى: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16].

١٣ - سنة الرِّفعة والتمكين: قال تعالى: ﴿ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ﴾ [النور: 55].

١٤ - سنة الموازنة والمقاربة بين المصالح والمفاسد، والنظر والتقدير في العواقب والمآلات: قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الأنعام: 108].

١٥ - سنة المعاتبة والتلاوم: قال تعالى: ﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ ﴾ [القلم: 30].

١٦ - سنة التَّأَلُّهِ والتعبد: قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

• جهلُ الأفرادِ، وغفلة المجتمعات، وإعراض الدول عن التفقه في السنن الإلهية، والوعي بالنواميس الربانية - الفطرية والكونية، والحياتية والمجتمعية - أورثَ جملةً من العواقب والآثار، تَجَلَّتْ في المظاهر التالية:

١ - الارتكاس بالذات في مساوئ النفس؛ كالظلم والجهل والحسد، والاستكبار والكفر والإلحاد، بالرضوخ والاستسلام لسنة ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، والغفلةِ والتفريط عن توجيه ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].

٢ - الهزيمة النفسية، والتبعية والتقليد، انطلاقًا من سنة: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22]، والإعراض عن مبدأ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون ﴾ [الأنعام: 153].

٣ - التخلف الحضاري، والتأخر النهضوي في المجالات كافة؛ لعدم الوعي بسنة التسيير والتسخير، والاستخلاف والعمارة: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]، ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30].

٤ - الذل والهوان، والضعف والوَهَن، للدول والحكومات؛ بالإعراض والاستنكاف عن مقومات العزة والاستعلاء: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

٥ - الخلاف والنزاع، والتقاطع والتناحر المجتمعيُّ (الأسرة، القبيلة، المؤسسة، الجماعات)؛ بسبب الغفلة عن عوامل الائتلاف والاتفاق: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]، و﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

٦ - البعد عن مقتضيات التطور والارتقاء، والفلاح والنجاح الدينيِّ والدنيوي، لدى الأفراد والمجتمعات؛ لغياب مقومات مفهوم الإتقان والإحسان وأسسِه: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].

• ومضة: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حتى لو دَخَلُوا في جُحْرِ ضَبٍّ لاتَّبَعْتُمُوهُمْ))؛ رواه البخاري.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/113142/#ixzz4adXt50OT

علي بن حسين بن أحمد فقيهي