طباعة

أزمة المصطلحات

الأربعاء, 28 كانون1/ديسمبر 2016 10:08
♦ لقد أكمل المولى جل وعلا الدينَ الإسلامي والمِلَّةَ المحمدية بأتمِّ المفاهيم، وأوضح المصطلحات، وأشمل العبارات: • ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾ [الحجرات: 14]. • ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا ﴾ [البقرة: 104]. • ﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [الأنبياء: 24]. ♦ الواقع النبوي شهِد البيانَ الواضح والتمييز الصريح لمصطلحات الإسلام والإيمان، والكفر والشرك، والرِّدَّة والنفاق، والسُّنة والبدعة، والفتنة والانحراف: 1- عن محمود بن الربيع، قال: سمعت عتبان بن مالك يقول: غدا عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: "أين مالك بن الدُّخْشُن؟ فقال رجل منا: "ذلك منافق، لا يحبُّ اللهَ ورسوله"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألَا تقولونه: يقول لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجهَ الله؟))، قال: بلى، قال: ((فإنه لا يُوافَى عبدٌ يوم القيامة به، إلا حرَّم اللهُ عليه النار))؛ رواه البخاري. 2- عن أسامة بن زيد - وهذا حديث ابن أبي شيبة - قال: "بعثنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في سَرِيَّة، فصبَّحنا الحُرَقَات من جُهينةَ، فأدركتُ رجلًا فقال: لا إله إلا الله، فطعنتُه، فوقع في نفسي من ذلك، فذكرتُه للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقال لا إله إلا الله وقتلتَه؟)) قال: قلتُ: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: ((أفلا شقَقْت عن قلبه، حتى تعلمَ أقالها أم لا؟))، فما زال يكررها عليَّ حتى تمنَّيتُ أني أسلمتُ يومئذٍ"؛ رواه مسلم. 3- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدَّل دينَه، فاقتلوه))؛ رواه البخاري. علي بن حسين بن أحمد فقيهي 4- عن أنس؛ أن نَفَرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سألوا أزواجَ النبي صلى الله عليه وسلم عن عملِه في السر، فقال بعضهم: "لا أتزوج النساء"، وقال بعضهم: "لا آكلُ اللحم"، وقال بعضهم: "لا أنام على فِراش"، فحمِد اللهَ وأثنى عليه، فقال: ((ما بالُ أقوامٍ قالوا كذا وكذا؟ لكني أصلي وأنام، وأصوم وأُفطر، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سُنَّتي، فليس مني))؛ رواه البخاري. ♦ بعد العهدِ النبوي وفي القرون المُفضَّلة، بدأت المصطلحاتُ والمفاهيم تأخذ جانبًا من التنوع والتعدد، والتوسع والانتشار، فتجاوزت حدودَ البحث والدراسة، ومجال العلماء والفقهاء، وأورثت صراعًا فكريًّا، ونزاعًا ثقافيًّا، وأزماتٍ مذهبيةً، وإشكالات منهجية، تغلغلت آثارُها في النفوس، وتعمَّقت جذورُها عبر القرون. ♦ تُعدُّ قضيةُ الإمامة ومسألةُ الخلافة (صفات الحاكم، وشروط الولاية، ومقتضيات السمع والطاعة، ومسوِّغات الخروج) من أُولى المسائل وأشهرِ المصطلحات التي كثُر فيها الخلافُ والنِّزاع في الأوساط العلمية، وعلى الأصعدة السياسية، بَدءًا بحادثة السَّقِيفة ثم مقتل عثمانَ وعليٍّ رضي الله عنهما، والخروج الفكري فيها عن المنهج النبوي بين الشيعة والحرورية، وامتدادهما التاريخي، واستردادهما الثقافي. ♦ تعددت المصطلحاتُ الفكرية، وتنوعت المفاهيم المذهبية في القرون الأولى (القدرية، المرجئة، الجهمية، المعتزلة، الخوارج، الرافضة، المتصوفة، المتفقهة، المتعبدة، أهل الرأي، أهل الأثر، السلفية، أهل الحديث، الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية)، وأخذت حيِّزًا كبيرًا واهتمامًا واسعًا من التقعيد والتنظير، والدعوة والممارَسة، والمُحاجَّة والمناظرة، والقسر والإلزام، والفتنة والابتلاء، والمعارك والصراعات، وإراقة الدماء وانتهاك الحرمات للأفراد والمجتمعات (الموقف من أهل الرأي والقياس، وفتنة خلق القرآن، ومحنة البخاري، وقتل العلماء والفضلاء، وانتهاك البيت الحرام، وخراب الديار وسقوط الدول...). ♦ في عصرنا الحاضر ومع الاتصال الثقافي بالمذهبيات الغربية والفلسفات الحديثة، اكتسحت العالمَ الإسلامي المصطلحاتُ والمفاهيم الجديدة (التنوير، النهضة، الحداثة، التقدم، الاشتراكية، الليبرالية، العلمانية، الحرية، المساواة...)، وأخذت موقعَها في دائرة الفكر والاهتمام ما بين الدعوة والتلميع، أو الرفض والتحذير، وأحدثت شرخًا كبيرًا في فكر وثقافة وحضارة الأمة، ينضاف لجملة الثُّقوبِ والتَّصدُّعات التي أحدثتها سابقاتُها من المفاهيم والمصطلحات. ♦ تبرز أهميةُ دراسةِ المفاهيم، وتحرير المصطلحات، وضبط التعريفات في الجوانب التالية: ١- أنها مفاتيحُ العلوم وكواشف المعرفة. ٢- وسيلة لنقل وضبط التفكير، وترتيب وتنظيم المعاني الظاهرة والباطنة، وتوجيه وتحديد السلوك والعمل. ٣- ارتباطها بجميع العلوم والمعارف الإنسانية النظرية والعملية التجريبية. ٤- الأثر الكبير والدور البارز في توجيه حياة الناس، وتطور حضارات الأمم، وتحديد سياسات الدول. ٥- الحاجة للبيان والتفصيل، والبسط والتوضيح؛ لرفع ما يعتريها من الاختلاط والاشتباه، والتزييف والتلبيس. ٦- طبيعتها الذاتية، وخصائصها الدلالية؛ من التكاثر والتوالد، والتنوع والتعدد، والتوسع والتمدد، والتأثير والنفوذ. ٧- تأثرها بالتحولات الفكرية، والتغيرات الزمانية والمكانية، والأحوال الحياتية، والأوضاع الاجتماعية، والأحداث السياسية. ٨- اتخاذها وسيلة لتصنيف الناس، وتوزيع الألقاب، والامتحان والاختبار، والتجريم والتأثيم، والتهديد والإرهاب. ♦ ومضة: "الإشكال المصطلحي إشكالٌ عظيم لا يقدُر قدرَه إلا الراسخون في العلم، وقد كان همُّ النُّبوَّات منذ آدمَ تسميةَ الأشياء بأسمائها...، والدين - مُذْ كان - تعريف وتثبيت لمفاهيم المصطلحات الأساسية التي يقوم عليها التصور الصحيح" د. الشاهد البوشيخي. رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/110835/#ixzz4U7OP6uZj علي بن حسين بن أحمد فقيهي