ربما لم يكن خبر تنظيم الأزهر الشريف لمؤتمر عالمي يحمل عنوان "نصرة القدس" إعلانًا غريبًا أو جديدًا على مسامع المتابعين لمواقف الأزهر وبياناته المعلنة تجاه القضية العربية الفلسطينية، التي تمثل جرحًا غائرًا في قلب كل عربي مسلمٍ ومسيحيٍ، الجديد في حقيقة الأمر هو الزخم الكبير للمؤتمر الذي دُعي إليه وشارك فيه عددٌ لم يتوقعه كثيرون من المتابعين.
شارك في المؤتمر ممثلون من 86 دولة وتحدث فيه نخبة من السياسيين والقادة الدينيين والأكاديميين ورؤساء المنظمات الفاعلة، استمع إليهم عدد كبير من الضيوف من مصر وخارجها اكتظت بهم قاعات مركز الأزهر الدولى للمؤتمرات، اللافت للنظر أيضًا الوجبة الدسمة من التحليلات والأفكار التي ألقيت في المؤتمر، والتي سيوثقها الأزهر كعادته لتمثل ميثاقًا أبديًا لأكثر من 40 كلمة تميزت بالعمق والجرأة في الرسائل التي بعثت بها للعالم بصورة عامة، وللإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني بصورة خاصة.
ولعل الرسائل الكثيرة التي حملتها كلمة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والتي حملها كذلك إعلان الأزهر الذي تمخض عنه المؤتمر هي من وجهة نظر الدكتور محمد عبد الفضيل منسق عام مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الأقوى والأعمق في هذه التظاهرة الكبيرة التي حققت مشاهدة على مواقع التواصل الاجتماعي تفوق – طبقًا لإحصائات رسمية معلنة – النصف مليار مشاهدة، الأمر الذي يعني أمران هامّان: أولهما نجاح مؤتمر الأزهر، وثانيهما اهتمام الشعوب بقضية القدس المحتلة.
وفي قراءة لـ"بوابة الأهرام"، يقول عبد الفضيل: إنه يمكننا تلخيص هذه الرسائل فيما يلي:
أولًا: أكد فضيلة الإمام أن "كل احتلال إلى زوال" في رسالة إلى الكيان الصهيوني تتلخص في عدم اعتراف مؤسسة الأزهر بوجوده على أرض اغتصبها، ومقارنة الدكتور الطيب بين هذا الكيان وبين الحملات الصليبية والاستعمار الأوروبي للأوطان العربية، مقارنة حملت في طياتها رؤية الأزهر وتقييمه للتواجد الصهيوني في دولة فلسطين العربية.
ثانيًا: أكد المؤتمر في بيانه الختامي أن المشاركين لا يعترفون بوضع آخر لفلسطين غير كونها دولة عربية مستقلة عاصمتها القدس، وبعث برسالة إلى الدول والمنظمات المسئولة، مفادها وجوب السعي الجاد إلى إعلانها رسميًا والاعتراف بها، وعدم اعتبار قضية القدس مجرد قضية قومية، بل هي حرم إسلاميٌ مسيحيٌ.
ثالثًا: رسالة مهمة وفريدة من فضيلة شيخ الأزهر إلى الأمة العربية بأن زوال الاحتلال ونهاية المغتصب للحقوق لن تتحقق بدون امتلاك القوة التي ترعبه وترغمه على إعادة حساباته، والحقيقة أن فضيلة الإمام على الرغم من دعوته الدائمة الحاضرة في جميع كلماته للسلام القائم على العدل والاحترام وهو ما أكد عليه أيضًا في افتتاح المؤتمر، إلا أنه اشترط في هذه الفعالية إلى أن السلام لا ينبغي أن يعرف الذل والخنوع ولا المساس بتراب الأوطان والمقدسات.
رابعًا: ربما كانت من أقوى التوصيات التي خرج المؤتمر بها في إعلانه الختامي هو دعمه لمبادرة الأزهر استحداث مقرر دراسي يعنى بالقضية الفلسطينية، ويُدرّس للملايين من أبنائه في مرحلة التعليم المدرسية ومرحلة الدراسة الجامعية، حيث يمكننا أن نربي جيلًا يحمل هم القضية على عاتقه ويعي ملابساتها كما نراها نحن وليس كما يصدّر إلينا، وهو أخشى ما يخشاها الكيان الصهويني، أن يخرج من بين ظهرانينا أجيال لا تنعته إلى بالمحتل، ولا تعمل إلا على زواله والتخلص منه، وبذلك يقدم الأزهر طيب المكاسب على مستوى الحلول الفكرية الدينية لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
خامسًا: توصية المؤتمر التي احتضنت مقترح شيخ الأزهر الشريف من اعتبار عام 2018 عامًا للقدس، تقام فيه الفعاليات، ويدعى فيه الشباب إلى الانتفاض من أجل حقوق الأرض المقدسة، وتنظم فيه الأنشطة الثقافية والإعلامية التي تتعهدها المنظمات الدولية العربية منها والإسلامية، وهذه توصية ربما تسهم في إعادة نحت الوعي الشعبوي العربي بقضية أرضه المحتلة، عل يخرج من أصلاب المسلمين رجالٌ أولي بأس شديد يحررون القدس ويطهرون الأقصى من دنس أبناء صهيون.